فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُصِبْ شَاهِدِينَ وَإِنَّمَا أَصْبَحَ قَتِيلًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ» " قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، وَرِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْهُ أَثْبَتُ وَهُمْ بِهِ أَقْعَدُ وَنَقْلُهُمْ أَصَحُّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ضَعَّفَ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرٍ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِكْرُ الْبَيِّنَةِ وَهْمٌ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّ خَيْبَرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْ مَعَ الْيَهُودِ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ لَكِنْ فِي الْقِصَّةِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَرَجُوا يَمْتَارُونَ تَمْرًا فَيَجُوزُ أَنَّ طَائِفَةً أُخْرَى خَرَجَتْ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْأَيْمَانَ فَامْتَنَعُوا فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتُبْرِئُكُمْ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ تَبْرَأُ إِلَيْكُمْ مِنْ دَعْوَاكُمْ (يَهُودُ) بِالرَّفْعِ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ عَلَى إِرَادَةِ اسْمِ الْقَبِيلَةِ وَالطَّائِفَةِ، وَضُبِطَ أَيْضًا فَتُبْرِيكُمْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ مَكْسُورَةً أَيْ يُخَلِّصُونَكُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ (بِخَمْسِينَ) يَمِينًا يَحْلِفُونَهَا (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ) وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُسَمُّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمَّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُسَلَّمُ إِلَيْكُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ، قَالَ: فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ بِاللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ يَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ، قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ الْيَهُودِ مَا فِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إِثْمٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " فَكَرِهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ " (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَزَعَمَ) أَيْ قَالَ مِنْ إِطْلَاقِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ كَخَبَرِ زَعْمِ جِبْرِيلَ (بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاهُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ أَنْ أَعْطَاهُمْ دِيَتَهُ (مِنْ عِنْدِهِ) مِنْ خَالِصِ مَالِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ عَاقِلَةُ الْمُسْلِمِينَ وَوَلِيُّ أَمْرِهِمْ.
وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: قَالَ سَهْلٌ فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ قَدْ دَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْقَسَامَةِ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الدَّعَاوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَنَّهَا خَمْسُونَ يَمِينًا وَهُوَ يَخُصُّ قَوْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» " فَكَأَنَّهُ قَالَ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سُنَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّهُ جَاءَ " «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِلَّا فِي الْقَسَامَةِ» " وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ لِينٌ فَقَدْ عَضَّدَهُ الْآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، لَكِنَّ هَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute