وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْعِجْلِيِّ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ لِرِوَايَتِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ " وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ حَدَّثٌ بِحَدِيثِ الْبَهِيمَةِ.
وَقَدْ رَوَى عَاصِمٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَيْسَ عَلَى مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ حَدٌّ " وَقَالَ السَّاجِيُّ: صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ يَهِمُ انْتَهَى.
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخَرِّجْ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَطْ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَعَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَاللَّامِ مُخَفَّفًا ظَهَرَ (لَهُ أُحُدٌ) حِينَ رَجَعَ مِنْ خَيْبَرَ، فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ» " (فَقَالَ: هَذَا) مُشِيرًا إِلَى أُحُدٍ (جَبَلٌ) خَبَرٌ مُوَطِّئٌ لِقَوْلِهِ: (يُحِبُّنَا) حَقِيقَةً كَمَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ خَاطَبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطَبَةَ مَنْ يَعْقِلُ فَقَالَ لَمَّا اضْطَرَبَ: اسْكُنْ أُحُدُ. . . الْحَدِيثَ.
فَوَضَعَ اللَّهُ الْحُبَّ فِيهِ كَمَا وَضَعَ التَّسْبِيحَ فِي الْجِبَالِ مَعَ دَاوُدَ وَالْخَشْيَةَ فِي الْحِجَارَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٧٤] وَكَمَا حَنَّ الْجِذْعُ لِفِرَاقِهِ حَتَّى سَمِعَ النَّاسُ حَنِينَهُ، فَلَا يُنْكَرُ وَصْفُ الْجَمَادِ بِحُبِّ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَسَبَحَتِ الْحَصَيَاتُ فِي يَدِهِ وَكَلَّمَتْهُ الذِّرَاعُ وَأَمَّنَتْ حَوَائِطُ الْبَيْتِ وَأُسْكُفَّةُ الْبَابِ عَلَى دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِشَارَةً إِلَى مَزِيدِ حُبِّ اللَّهِ إِيَّاهُ حَتَّى أَسْكَنَ حُبَّهُ فِي الْجَمَادِ وَغَرَسَ مَحَبَّتَهُ فِي الْحَجَرِ مَعَ فَضْلِ يُبْسِهِ وَقُوَّةِ صَلَابَتِهِ.
(وَنُحِبُّهُ) حَقِيقَةً أَيْضًا لِأَنَّ جَزَاءَ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُحَبَّ وَلِأَنَّهُ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ مَرْفُوعًا: " «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَهُوَ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ» " وَلِلْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ: " «أُحُدٌ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ» "، أَيْ: مِنْ دَاخِلِهَا، فَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا: " «أُحُدٌ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْجَنَّةِ» " لِأَنَّهُ رُكْنٌ دَاخِلَ الْبَابِ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ ابْنِ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ رُكْنُ بَابِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَهُمُ الْأَنْصَارُ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ وَكَانُوا يُحِبُّونَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُمْ آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَأَقَامُوا دِينَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] [سُورَةُ يُوسُفَ: الْآيَةُ ٨٢] وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي ... وَلَكِنَّ حُبَّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُ بِلِسَانِ الْحَالِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بِقُرْبِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَلِقَائِهِمْ وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُحِبِّ بِمَنْ يُحِبُّ، فَكَانَ يَفْرَحُ إِذَا طَلَعَ لَهُ اسْتِبْشَارًا بِالْأَوْبَةِ مِنْ سَفَرِهِ وَالْقُرْبِ مَنْ أَهْلِهِ، وَضَعُفَ بِمَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ: " «فَإِذَا جِئْتُمُوهُ فَكُلُوا مِنْ شَجَرِهِ وَلَوْ مِنْ عِضَاهِهِ» " بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ، كُلُّ شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ ذَاتِ شَوْكٍ، فَحَثَّ عَلَى عَدَمِ إِهْمَالِ الْأَكْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute