للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَا يُؤْكَلُ كَالْعِضَاهِ، يَمْضِغُ مِنْهُ تَبَرُّكًا وَلَوْ بِلَا ابْتِلَاعٍ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ أَيِ الْحَقِيقَةَ - قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» " مَعَ أَحَادِيثَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ فَتَنَاسَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَشَدَّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا أَحْسَنَ مِنِ اسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ بِهَذَا الِاسْمِ تَقْدِمَةً لِمَا أَرَادَهُ مِنْ مُشَاكَلَةِ اسْمِهِ لِمَعْنَاهُ، إِذْ أَهْلُهُ وَهُمُ الْأَنْصَارُ نَصَرُوا التَّوْحِيدَ وَالْمَبْعُوثَ بِدِينِ التَّوْحِيدِ وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوِتْرَ وَيُحِبُّهُ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ اسْتِشْعَارًا لِلْأَحَدِيَّةِ، فَقَدْ وَافَقَ اسْمُهُ أَغْرَاضَهُ وَمَقَاصِدَهُ، وَمَعَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ فَحَرَكَاتُ حُرُوفِهِ الرَّفْعُ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ الْأَحَدِيَّةِ وَعُلُوِّهِ، فَتَعَلَّقَ الْحُبُّ بِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمًا وَمُسَمًّى، فَخُصَّ مِنْ بَيْنِ الْجِبَالِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا بُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا انْتَهَى.

وَأُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْجِبَالِ، وَقِيلَ: عَرَفَةُ، وَقِيلَ: أَبُو قَبِيسٍ، وَقِيلَ: الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، وَقِيلَ: قَافٌ، قِيلَ: وَفِيهِ قَبْرُ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا يَصِحُّ.

(اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) بِتَحْرِيمِكَ لَهَا عَلَى لِسَانِهِ (وَأَنَا أُحَرِّمُ) بِتَحْرِيمِكَ عَلَى لِسَانِي (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) بِخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ لَابَاتٌ وَفِي الْكَثْرَةِ لُوبٌ كَسَاحَةٍ وَسُوحٍ يَعْنِي الْحَرَّتَيْنِ الشَّرْقِيَّةَ وَالْغَرْبِيَّةَ وَهِيَ حِرَارٌ أَرْبَعٌ لَكِنَّ الْقِبْلِيَّةَ وَالْجَنُوبِيَّةَ مُتَّصِلَتَانِ، وَقَدْ رَدَّهَا حَسَّانُ إِلَى حَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ:

لَنَا حَرَّةٌ مَأْطُورَةٌ بِجِبَالِهَا ... بَنَى الْعِزُّ فِيهَا بَيْتَهُ فَتَأَثَّلَا

قَالَ: وَمَأْطُورَةٌ يَعْنِي مَعْطُوفَةٌ بِجِبَالِهَا لِاسْتِدَارَةِ الْجِبَالِ بِهَا، وَإِنَّمَا جِبَالُهَا تِلْكَ الْحِجَارَةُ السُّودُ الَّتِي تُسَمَّى الْحِرَارَ، قَالَ: وَتَحْرِيمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا إِنَّمَا يَعْنِي فِي الصَّيْدِ، فَأَمَّا الشَّجَرُ فَبَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ فِي دُورِهَا كُلِّهَا، كَذَلِكَ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى.

وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ.

زَادَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ " وَالتَّشْبِيهُ فِي الْحُرْمَةِ فَقَطْ لَا الْجَزَاءِ ; لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ فِي شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ جَزَاءُ الصَّيْدِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ابْتَلَى اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَمَا قَالَ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: ٩٤] [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٩٤] وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالصَّحَابَةُ فَهِمُوا الْمُرَادَ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّوْهُ بِالْوُجُوبِ دُونَ جَزَاءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا بِيَقِينٍ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: فِي صَيْدِهَا الْجَزَاءُ ; لِأَنَّهُ حَرَمُ نَبِيٍّ كَمَا مَكَّةُ حَرَمُ نَبِيٍّ انْتَهَى.

وَزَادَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ: " «لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرٍو: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>