للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ.

(قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ) بِشَأْنِهِمَا وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحُمَّى فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ (فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ) مِنْ حُبِّنَا لِمَكَّةَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، فَكَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَكَانَ يُحَرِّكُ دَابَّتَهُ إِذَا رَأَى الْمَدِينَةَ مِنْ حُبِّهَا (وَصَحِّحْهَا) مِنَ الْوَبَاءِ (وَبَارِكْ) أَنْمِ وَزِدْ (لَنَا فِي صَاعِهَا) كَيْلٌ يَسَعُ أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ (وَمُدِّهَا) وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَطَيَّبَ هَوَاءَهَا وَتُرَابَهَا وَمَسَاكِنَهَا وَالْعَيْشَ بِهَا.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: مَنْ أَقَامَ بِهَا يَجِدُ مِنْ تُرَابِهَا وَحِيطَانِهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ تَكَرَّرُ دُعَاؤُهُ بِتَحْبِيبِهَا وَالْبَرَكَةِ فِي ثِمَارِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِجَابَةَ حَصَلَتْ بِالْأَوَّلِ وَالتَّكْرِيرُ لِطَلَبِ الْمَزِيدِ فِيهَا مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْكَيْلِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ بِهَا مَا لَا يَكْفِيهِ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ لِمَنْ سَكَنَهَا.

(وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ، وَكَانَتْ تُسَمَّى مَهْيَعَةً، وَبِهِ عَبَّرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّحْتِيَّةِ، بَيْنَهُمَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ فَهَاءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَحَكَى عِيَاضٌ كَسْرَ الْهَاءِ وَسُكُونَ الْيَاءِ عَلَى وَزْنِ جَمِيلَةَ، وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ مَسْكَنَ الْيَهُودِ وَلِذَا تَوَجَّهَ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِمْ، فَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْهَلَاكِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ بِالصِّحَّةِ وَإِظْهَارِ مُعْجَمَةٍ عَجِيبَةٍ فَإِنَّهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ وَبِيَّةٌ لَا يَشْرَبُ أَحَدٌ مِنْ مَائِهَا إِلَّا حُمَّ، وَلَا يَمُرُّ بِهَا طَائِرٌ إِلَّا حُمَّ وَسَقَطَ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ كَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَهُ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ مَهْيَعَةَ فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا» ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَجَسُّمِ الْأَعْرَاضِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ لِيَحْصُلَ لَهُمُ الطَّمَأْنِينَةُ بِإِخْرَاجِهَا.

وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدِمَ إِنْسَانٌ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَقِيتَ أَحَدًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا امْرَأَةً سَوْدَاءَ عُرْيَانَةً، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تِلْكَ الْحُمَّى وَلَنْ تَعُودَ بَعْدَ الْيَوْمِ» .

قَالَ الشَّرِيفُ السَّمْهُورْدِيُّ: وَالْمَوْجُودُ الْآنَ مِنَ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ حُمَّى الْوَبَاءِ بَلْ رَحْمَةُ رَبِّنَا وَدَعْوَةُ نَبِيِّنَا لِلتَّكْفِيرِ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ " أَصَحُّ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ حَرَّةَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالْعَرِيضِ " وَهُوَ يُؤْذِنُ بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا بِهَا، وَأَنَّ الَّذِي نُقِلَ عَنْهَا أَصْلًا وَرَأْسًا سُلْطَانُهَا وَشِدَّتُهَا وَوَبَاؤُهَا وَكَثْرَتُهَا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ الْبَاقِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا رُفِعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>