للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ أُعِيدَتْ خَفِيفَةً لِئَلَّا يَفُوتَ ثَوَابُهَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أُمُّ مِلْدَمٍ فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ قِبَاءَ فَبَلَغُوا مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ لِيَكْشِفَهَا عَنْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ تَكُونُ لَكُمْ طَهُورًا، قَالُوا: أَوَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَدَعْهَا» " انْتَهَى.

هَذَا وَقَدْ عَارَضَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثَ الْبَابِ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: " «لَمَّا دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ حُمَّ أَصْحَابُهُ فَدَخَلَ يَعُودُهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تَجِدُكَ؟» " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ سُفْيَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الدَّاخِلُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ وَعَامِرٍ، وَمَالِكٌ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ انْتَهَى.

وَلَا مُعَارَضَةَ أَصْلًا لِأَنَّ دُخُولَ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْآخَرِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِحَالِهِمْ جَاءَ لِعِيَادَتِهِمْ وَأَجَابُوا كُلًّا مِنْهُمَا بِالْأَشْعَارِ الْمَذْكُورَةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ أَيْضًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: " «أَصَابَتِ الْحُمَّى الصَّحَابَةَ حَتَّى جَهِدُوا مَرَضًا وَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ حَتَّى مَا كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَّا وَهُمْ قُعُودٌ، فَخَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُصَلُّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ فَتَجَشَّمُوا الْقِيَامَ، أَيْ: تَكَلَّفُوهُ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ» " قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ حَنِينِهِمْ إِلَى مَكَّةَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ حُبِّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إِلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ - أَيْ: بِالتَّصْغِيرِ - الْغِفَارِيِّ، وَيُقَالُ فِيهِ الْهُذَلِيُّ، أَنَّهُ «قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ: كَيْفَ تَرَكْتَ مَكَّةَ يَا أُصَيْلُ؟ قَالَ: تَرَكْتُهَا حِينَ ابْيَضَّتْ أَبَاطِحُهَا وَأَحْجَنَ ثُمَامُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخِرُهَا وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: تَشَوَّقْنَا يَا أُصَيْلُ» .

وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: دَعِ الْقُلُوبَ تَقَرُّ، وَقَدْ قَالَ الْأَوَّلُ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادِي الْخُزَامَى حَيْثُ رَبَّتْنِي أَهْلِي

بِلَادٍ بِهَا نِيطَتْ عَلَيَّ تَمَائِمِي ... وَقُطِّعْنَ عَنِّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي

انْتَهَى.

وَهَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ حُبِّبَتِ الْمَدِينَةُ إِلَيْهِمْ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا وَمَحَبَّتِهِ فِيهَا، وَفَضَائِلُهَا جَمَّةٌ كَثِيرَةٌ صَنَّفَهَا النَّاسُ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ.

وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الْهِجْرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَفِي الطِّبِّ عَنْ قُتَيْبَةَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ بِنَحْوِهِ وَزِيَادَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَبْدَةَ وَابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، الثَّلَاثَةُ عَنْ هِشَامٍ (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَةَ) فِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>