تَعْظِيمًا لَهُمْ (وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ: تَجْعَلَهُمْ قَادِمِينَ (عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ) أَيِ الطَّاعُونِ.
(فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي) وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ (ثُمَّ قَالَ) عُمَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: (ادْعُ لِيَ الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ) فَحَضَرُوا عِنْدَهُ (فَاسْتَشَارَهُمْ) فِي ذَلِكَ (فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ) فِيمَ قَالُوا (وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ) لَهُمْ (ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِيَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ شَيْخٍ وَهُوَ مَنْ طَعَنَ فِي السِّنِّ (مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ قِيلَ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَاجَرُوا عَامَهُ إِذْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: هُمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَهُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ مَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ، وَأُطْلِقَ عَلَى مَنْ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ مُهَاجِرٌ صُورَةً وَإِنِ انْقَطَعَ حُكْمُ الْهِجْرَةِ بِالْفَتْحِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ.
(فَدَعَوْتُهُمْ) فَحَضَرُوا عِنْدَهُ (فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ اثْنَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلَانِ (فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ) الطَّاعُونِ، وَفِيهِ مَشُورَةُ مَنْ يُوثَقُ بِفَهْمِهِ وَعَقْلِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْمُعْضِلِ، وَأَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْقَائِلِينَ فِيهَا عَيْبُ مُخَالَفَةٍ وَلَا الطَّعْنُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا وَهُمُ الْقُدْوَةُ فَلَمْ يَعِبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَلَا وَجَدَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ لَيْسَتْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ عَلَيْهِ جَمْعُ الْجَمْعِ وَذَوِي الرَّأْيِ وَيُشَاوِرُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِدَلِيلٍ فَعَلَيْهِ الْمَيْلُ إِلَى الْأَصْلَحِ وَالْأَخْذُ بِمَا يَرَاهُ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا يُوجِبُ حُكْمًا وَإِنَّمَا يُوجِبُ النَّظَرَ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ يُوجِبُ الْحُكْمَ وَالْعَمَلَ، قَالَهُ أَبُو عُمَرَ (فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ) حِينَ ظَهَرَ لَهُ صَوَابُ رَأْيِ الْمَشْيَخَةِ (إِنِّي مُصْبِحٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ، أَيْ: مُسَافِرٌ فِي الصَّبَاحِ رَاكِبًا (عَلَى ظَهْرٍ) أَيْ: عَلَى ظَهْرِ الرَّاحِلَةِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ (فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى رَأْيِهِمْ، وَلَا يَبْعُدُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَحَصَلَ تَرْجِيحُ الرَّأْيِ بِالْكَثْرَةِ، لَا سِيَّمَا رَأْيَ أَهْلِ السِّنِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute