للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّجْرِبَةِ وَالْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ، وَمُسْتَنَدُ الطَّائِفَتَيْنِ فِي اخْتِلَافِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ: الْأَوَّلُ التَّوَكُّلُ وَالتَّسْلِيمُ لِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ.

وَالثَّانِي الْحَذَرُ وَتَرْكُ إِلْقَاءِ الْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

(فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ) لِعُمَرَ (أَ) تَرْجِعُ (فِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ) لَأَدَّبْتُهُ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَيَّ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ وَافَقَنِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، أَوْ لَكَانَ أَوْلَى مِنْكَ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ أَوْ لَمْ أَتَعَجَّبْ مِنْهُ وَلَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْكَ مَعَ عِلْمِكَ وَفَضْلِكَ كَيْفَ تَقُولُ هَذَا أَوْ هِيَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يُحْتَاجُ لِجَوَابٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ غَيْرَكَ مِمَّنْ لَا فَهْمَ لَهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ يُعْذَرُ.

(نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ) زَادَ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَكَانَ يَكْرَهُ خِلَافَهُ، أَيْ: عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ فِرَارًا لِشِبْهِهِ فِي الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِرَارًا شَرْعِيًّا، وَالْمُرَادُ أَنَّ هُجُومَ الْمَرْءِ عَلَى مَا يُهْلِكُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَتَجَنُّبُهُ مَا يُؤْذِيهِ مَشْرُوعٌ، وَقَدْ يُقَدِّرُ اللَّهُ وُقُوعَهُ فِيمَا فَرَضَهُ فَلَوْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَفِيهِ الْمُنَاظَرَةُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ قَايَسَهُ وَنَاظَرَهُ بِمَا يُشْبِهُ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ) أَيْ: أَخْبِرْنِي (لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ، أَيْ: شَاطِئَانِ وَحَالَتَانِ (إِحْدَاهُمَا مُخْصِبَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ خَصِبَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ بِلَا مِيمٍ (وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا (أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخِصْبَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعْيَتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ) فَنَقْلُكَ إِيَّاهَا مِنَ الْجَدْبَةِ وَرَعْيُهَا فِي الْخِصْبَةِ فِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ رُجُوعُنَا.

زَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِهِ وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّهُ رَعَى الْجَدْبَةَ وَتَرَكَ الْخِصْبَةَ أَكُنْتَ مُعْجِزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسِرْ إِذًا.

(فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ) لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمُ الْمُشَاوَرَةَ الْمَذْكُورَةَ (فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي مِنْ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي (هَذَا) الَّذِي اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ (عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ) بِالطَّاعُونِ (بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ) لِيَكُونَ أَسْكَنَ لِأَنْفُسِكُمْ وَأَقْطَعَ لِوَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ.

قَالَ فِي الْأَحْوَذِيِّ: وَلِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْحَتْفِ وَالْبَلَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا نَجَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>