للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هُرْمُزَ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ» ) أَيْ لِأَجْلِهَا وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِالصَّلَاةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ (أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ) إِبْلِيسُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنَ الشُّرَّاحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الشَّيْطَانِ وَهُوَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الْإِنْسِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا شَيْطَانُ الْجِنِّ خَاصَّةً، (لَهُ ضُرَاطٌ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا بِدُونِ وَاوٍ لِحُصُولِ الِارْتِبَاطِ بِالضَّمِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَلَهُ بِالْوَاوِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّهُ جِسْمٌ مُتَغَذٍّ يَصِحُّ مِنْهُ خُرُوجُ الرِّيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ نِفَارِهِ، وَيُقَرِّبُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَهُ حُصَاصٌ بِمُهْمَلَاتٍ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ، وَفَسَّرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِشِدَّةِ الْعَدْوِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ شُغْلَ الشَّيْطَانِ نَفْسَهُ عَنْ سَمَاعِ الْأَذَانِ بِالصَّوْتِ الَّذِي يَمْلَأُ السَّمْعَ وَيَمْنَعُهُ عَنْ سَمَاعِ غَيْرِهِ ثُمَّ سَمَّاهُ ضُرَاطًا.

(حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ) أَيِ التَّأْذِينَ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ التِّنِّيسِيِّ لِلْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ إِخْرَاجَ ذَلِكَ إِمَّا لِيَشْتَغِلَ بِسَمَاعِ الصَّوْتِ الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْ سَمَاعِ الْمُؤَذِّنِ أَوْ يَصْنَعُ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا تَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ أَوْ لِيُقَابِلَ مَا يُنَاسِبُ الصَّلَاةَ مِنَ الطَّهَارَةِ بِالْحَدَثِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ شِدَّةُ خَوْفٍ يُحْدِثُ لَهُ ذَلِكَ الصَّوْتُ بِسَبَبِهَا، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَبْعُدُ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَفِي فِيهَا سَمَاعُهُ لِلصَّوْتِ وَقَدْ بُيِّنَتِ الْغَايَةُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالَ: حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: يَعْنِي الْأَعْمَشَ فَسَأَلْتُهُ أَيْ أَبَا سُفْيَانَ رِوَايَةً عَنْ جَابِرٍ عَنِ الرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: هِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا، وَقَدْ أَدْرَجَ هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ حَتَّى يَكُونَ بِالرَّوْحَاءِ وَهِيَ سِتَّةٌ. . . إِلَخْ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

(فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ) بِضَمِّ الْقَافِ، أَيْ: فَرَغَ وَانْتَهَى مِنْهُ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى حَذْفِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ الْمُنَادِي، أَيْ: إِذَا قَضَى الْمُنَادِي النِّدَاءَ (أَقْبَلَ) ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَوَسْوَسَ (حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَشَدِّ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ، قِيلَ مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ، وَقِيلَ مِنْ " ثَوْبٍ " إِذَا أَشَارَ بِثَوْبِهِ عِنْدَ الْفَزَعِ لِإِعْلَامِ غَيْرِهِ، قَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ هُنَا الْإِقَامَةُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عَوَانَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، أَيْ: أُقِيمَتْ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَا يُشْبِهُ الْأَذَانَ، وَكُلُّ مُرَدِّدِ صَوْتٍ فَهُوَ مُثَوِّبٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ» "، وَزَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّثْوِيبِ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، لَكِنْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ سَلَفًا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>