ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوْلَ الْخَاصَّ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا تَعْرِفُ الْعَامَّةُ التَّثْوِيبَ إِلَّا قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْإِقَامَةُ.
( «حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ» ) بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، (أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الطَّاءِ كَمَا ضَبَطَهُ عِيَاضٌ عَنِ الْمُتْقِنِينَ، وَقَالَ: إِنَّهُ الْوَجْهُ وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِسُ، وَأَصْلُهُ مِنْ خَطَرَ الْبَعِيرُ بِذَنَبِهِ إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ قَالَ: وَسَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ بِضَمِّ الطَّاءِ، وَمَعْنَاهُ الْمُرُورُ أَيْ يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ فَيُشْغِلُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُونَ لِلْمُوَطَّأِ، وَبِالْأَوَّلِ فَسَرَّهُ الْخَلِيلُ، وَضَعَّفَ الْهَجَرِيُّ فِي نَوَادِرِهِ الضَّمَّ وَقَالَ: هُوَ يَخْطِرُ بِالْكَسْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
(بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ) أَيْ قَلْبِهِ وَكَذَا هُوَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُرِيدُهُ مِنْ إِقْبَالِهِ عَلَى صَلَاتِهِ وَإِخْلَاصِهِ فِيهَا، (يَقُولُ) الشَّيْطَانُ (اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَاذْكُرْ كَذَا لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا فِي صَلَاةِ السَّهْوِ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا.
(لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ) أَيْ لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى ذِكْرِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: لِمَا لَمْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ، وَلَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنِ الْأَعْرَجِ: فَهَنَّاهُ وَمَنَّاهُ، وَذَكَّرَهُ مِنْ حَاجَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، وَمِنْ ثَمَّ اسْتَنْبَطَ أَبُو حَنِيفَةَ الَّذِي شَكَى إِلَيْهِ أَنَّهُ دَفَنَ مَالًا ثُمَّ لَمْ يَهْتَدِ لِمَكَانِهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَحْرِصَ عَلَى أَنْ لَا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَفَعَلَ فَذَكَرَ مَكَانَ الْمَالِ فِي الْحَالِ، قِيلَ: خَصَّهُ بِمَا يَعْلَمُ دُونَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ; لِأَنَّهُ يَمِيلُ لِمَا يَعْلَمُ أَكْثَرَ لِتَحَقُّقِ وَجُودِهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُذَكِّرُهُ لِمَا سَبَقَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لِيَشْغَلَ بَالَهُ بِهِ، وَلِمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقَ لَهُ لِيُوقِعَهُ فِي الْفِكْرَةِ فِيهِ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَالْعِلْمِ، لَكِنْ هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ التَّفَكُّرَ فِي مَعَانِي الْآيَاتِ الَّتِي يَتْلُوهَا؟ لَا يَبْعُدُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ غَرَضَهُ نَقْصُ خُشُوعِهِ وَإِخْلَاصِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
(حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ اتِّصَافُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ نَهَارًا، لَكِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى يَصِيرُ أَوْ يَبْقَى، وَفِي رِوَايَةٍ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ مَكْسُورَةً أَيْ يَنْسَى وَمِنْهُ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا أَوْ يُخْطِئَ، وَمِنْهُ: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: ٥٢] (سُورَةُ طه: الْآيَةُ ٥٢) وَمَفْتُوحَةً أَيْ يَتَحَيَّرُ مِنَ الضَّلَالِ وَهُوَ الْحَيْرَةُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ.
(إِنْ يَدْرِي) بِكَسْرِ هَمْزَةِ " إِنْ " النَّافِيَةِ بِمَعْنَى لَا، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ: لَا يَدْرِي، وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَنَسَبَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَجْهَهَا بِمَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَيْسَتْ رِوَايَةُ الْفَتْحِ بِشَيْءٍ إِلَّا مَعَ رِوَايَةِ الضَّادِ السَّاقِطَةِ فَيَكُونُ أَنْ وَالْفِعْلُ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَمَفْعُولِ ضَلَّ إِنْ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ يَضِلُّ عَنْ دِرَايَتِهِ وَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ: لَا يَصِحُّ فَتْحُهَا إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ يَضِلُّ بِكَسْرِ الضَّادِ فَتَكُونُ أَنْ مَعَ الْفِعْلِ مَفْعُولَهُ أَيْ يَجْهَلُ دِرَايَتَهُ وَيَنْسَى عَدَدَ رَكَعَاتِهِ.
(كَمْ صَلَّى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute