مِنْ أَحَدٍ فَعَسَى أَنْ يَزْنُوا فَيَهْلِكُوا، فَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ بِنْتُ الْمَلِكِ فَأَرَادَهَا بَعْضُ الْأَسْبَاطِ وَأَخْبَرَهَا بِمَكَانِهِ فَمَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الطَّاعُونُ فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا فِي يَوْمٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَمَعَهُ الرُّمْحُ وَأَيَّدَهُ اللَّهُ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا " وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَسَيَّارٌ شَامِيٌّ مُوَثَّقٌ، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ بِنَحْوِهِ وَسَمَّى الْمَرْأَةَ كَشْتًا بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَوْقِيَّةٍ، وَالرَّجُلَ زِمْرِي بِكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، رَأْسُ سِبْطِ شَمْعُونَ، وَالَّذِي طَعَنَهُمَا فِنْحَاصٌ - بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ - ابْنُ هَارُونَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَحَسْبُ مَنْ هَلَكَ مِنَ الطَّاعُونِ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ عِشْرُونَ أَلْفًا، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ تُعَضِّدُ الْأُولَى.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَثُرَ عِصْيَانُهُمْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ فَخَيَّرَهُمْ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ أَبْتَلِيَهُمْ بِالْقَحْطِ، أَوِ الْعَدُوِّ شَهْرَيْنِ، أَوِ الطَّاعُونِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالُوا: اخْتَرْ لَنَا فَاخْتَارَ الطَّاعُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ زَالَتِ الشَّمْسُ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَتَضَرَّعَ دَاوُدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرَفَعَهُ.
وَوَرَدَ وُقُوعُ الطَّاعُونِ فِي غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَذْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَبْشًا ثُمَّ يُخَضِّبُ كَفَّهُ فِي دَمِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِ عَلَى بَابِهِ فَفَعَلُوا فَسَأَلَهُمُ الْقِبْطُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ عَلَيْكُمْ عَذَابًا وَإِنَّا نَنْجُو مِنْهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ مَاتَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ ثَمَّ ذَلِكَ لِمُوسَى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} [الأعراف: ١٣٤] [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: الْآيَةُ ١٣٤] الْآيَةَ، فَدَعَا فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: ٢٤٣] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٤٣] قَالَ فِرُّوا مِنَ الطَّاعُونِ {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة: ٢٤٣] [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٤٣] لِيُكْمِلُوا بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ، فَأَقْدَمُ مَنْ وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَنْقُولِ مِمَّنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قِصَّةِ بَلْعَامٍ وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ وَتَكَرَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمُ انْتَهَى.
(فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَهَوُّرٌ وَإِقْدَامٌ عَلَى خَطَرٍ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَسْكُنَ لِلنَّفْسِ وَأَطْيَبَ لِلْعَيْشِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِئَلَّا يَقَعُوا فِي اللَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ تَأْدِيبًا لِئَلَّا يَلُومُوا أَنْفُسَهُمْ فِيمَا لَا لَوْمَ فِيهِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ وَالنَّاهِضَ لَا يَتَجَاوَزُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَجَلَهُ.
(وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute