للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقَدَرِ وَلِئَلَّا تَضِيعَ الْمَرْضَى بِعَدَمِ مَنْ يَتَفَقَّدُهُمْ، وَالْمَوْتَى بِعَدَمِ مَنْ يُجَهِّزُهُمْ، فَالْأَوَّلُ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ، وَالثَّانِي تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ، وَقِيلَ: هُوَ تَعَبُّدِيٌّ لِأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَهَالِكِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا فَهُوَ لِسِرٍّ فِيهِ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ.

(قَالَ مَالِكٌ) هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا.

(قَالَ أَبُو النَّضْرِ) فِي رِوَايَتِهِ (لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ) قَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ لِأَكْثَرِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ بِالرَّفْعِ وَهُوَ بَيِّنٌ، أَيْ: لَا يُخْرِجُكُمُ الْفِرَارُ وَمُجَرَّدُ قَصْدِهِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي الْأَسْفَارِ وَالْحَوَائِجِ مُبَاحٌ، فَهُوَ مُطَابِقٌ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَّا فِرَارًا بِالنَّصْبِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: جَاءَ بِالْوَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ، وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ دُخُولُ إِلَّا بَعْدَ النَّفْيِ لِإِيجَابِ بَعْضِ مَا نُفِيَ قَبْلُ مِنَ الْخُرُوجِ، فَكَأَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخُرُوجِ إِلَّا لِلْفِرَارِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ الْمَقْصُودِ، فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْخُرُوجُ لِلْفِرَارِ خَاصَّةً لَا لِغَيْرِهِ، وَجَوَّزَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَجَعَلَ قَوْلَهُ " إِلَّا " حَالًا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، أَيْ: لَا تَخْرُجُوا إِذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا، أَيْ: لِلْفِرَارِ انْتَهَى.

وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَّطَأِ: لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ بَعْدَهَا إِفْرَارٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ وَهْمٌ وَلَحْنٌ، هَذَا كَلَامُ عِيَاضٍ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.

وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ مَا حَاصِلُهُ: يَجُوزُ أَنَّ الْهَمْزَةَ لِلتَّعْدِيَةِ يُقَالُ: أَفَرَّهُ كَذَا مِنْ كَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: " إِنْ كَانَ لَا يُفِرُّكُ مِنْ هَذَا إِلَّا مَا تَرَى " فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يُخْرِجُكُمْ إِفْرَارُهُ إِيَّاكُمْ.

وَقَالَ فِي الْمُفْهَمِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَلَطٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَفَرَّ وَإِنَّمَا يُقَالُ فَرَّ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِدْخَالُ إِلَّا فِيهِ غَلَطٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ زَائِدَةٌ وَتَجُوزُ زِيَادَتُهَا كَمَا تُزَادُ " لَا " وَهُوَ الْأَقْرَبُ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، وَبَيْنَ قَوْلِ أَبِي النَّضْرِ: لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ - مُشْكِلٌ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ التَّنَاقُضُ، وَأَجَابَ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ غَرَضَ الرَّاوِي أَنَّ أَبَا النَّضْرِ فَسَّرَ لَا تَخْرُجُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْحَصْرُ يَعْنِي الْخُرُوجَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْفِرَارِ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُعَلَّلِ الْمَنْهِيِّ لَا لِلنَّهْيِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلَامِ أَبِي النَّضْرِ زَادَهُ بَعْدَ الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَلَى رِوَايَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ، وَالْمُتَبَادِرُ خِلَافُ ذَلِكَ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَالزِّيَادَةُ مَرْفُوعَةٌ أَيْضًا فَيَكُونُ رَوَى اللَّفْظَيْنِ وَيَكُونُ التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا أَيْضًا.

الثَّالِثُ: " إِلَّا " زَائِدَةٌ بِشَرْطِ أَنَّ تَثْبُتَ زِيَادَتُهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ انْتَهَى، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُسْلِمٌ فِي الطِّبِّ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>