الْمَعَاصِي كَمَا يَمْنَعُ الْإِيمَانُ، فَسُمِّيَ إِيمَانًا كَمَا يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ إِطْلَاقَ كَوْنِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مَجَازٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاهِيَ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ ; فَلِهَذَا وَقَعَ التَّأْكِيدُ، وَقَدْ يَكُونُ التَّأْكِيدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَضِيَّةَ نَفْسَهَا مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ انْتَهَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَزَجْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوَاعِظِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْحَيَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ كَثْرَتُهُ مَذْمُومَةً، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْوَعْظِ بِالْعِتَابِ وَاللَّوْمِ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَإِنَّ مَعْنَى الْوَعْظِ الزَّجْرُ وَبِهِ فَسَّرَهُ التَّيْمِيُّ هُنَا، وَمَعْنَى الْعَتْبِ الْوَجْدُ، يُقَالُ: عَتَبَ عَلَيْهِ إِذَا وَجَدَ، عَلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ جَلِيلَيْنِ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا حَتَّى يُفَسَّرَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ وَعَظَ أَخَاهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَيَاءِ وَعَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَالرَّاوِي حَكَى فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ بِلَفْظِ الْوَعْظِ وَفِي الْآخَرِ بِلَفْظِ الْمُعَاتَبَةِ انْتَهَى.
وَالْحَافِظُ أَبْدَى هَذَا احْتِمَالًا ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ، وَتَفْسِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَيْسَ لِلْخَفَاءِ إِنَّمَا هُوَ لِلِاتِّحَادِ، فَالرِّوَايَاتُ لَا سِيَّمَا الْمُتَّحِدَةَ الْمُخْرِجِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنْ سَلِمَ بَعْدَهُ لُغَةً فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّعْقِيبِ سِوَى تَسْوِيدِ وَجْهِ الطِّرْسِ بِالتَّغْبِيرِ فِي وُجُوهِ الْحِسَانِ، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْحَيَاءِ وَأَجْلُهُ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خَفِ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ وَاسْتَحْيِ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْتُ الْمَعَاصِيَ نَذَالَةً فَتَرَكْتُهَا مُرُوءَةً فَصَارَتْ دِينًا، وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ التَّقَلُّبِ فِي نِعَمِهِ فَيَسْتَحْيِي الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِيمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَهُ فِي الْأَدَبِ مِنْ صَحِيحِهِ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ نَحْوُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute