يَسْتَأْثِرُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: لِلْمُسْتَأْثِرِ مُسْتَدْبِرٌ لِأَنَّهُ يُوَلِّي دُبُرَهُ حَتَّى يَسْتَأْثِرَ بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْنَى التَّدَابُرِ الْمُعَادَاةُ، تَقُولُ دَابَرْتُهُ، أَيْ: عَادَيْتُهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَتَخَاذَلُوا بَلْ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ أُمُورٌ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ فَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهَا فَيُصْرَفُ النَّهْيُ إِلَى أَسْبَابِهَا، أَيْ: لَا تَفْعَلُوا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ.
( «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اكْتَسِبُوا مَا تَصِيرُونَ بِهِ كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ " هَذِهِ الْأَوَامِرُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ لِمَعَانِي الْأُخُوَّةِ وَنَسَبُهَا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: يَجُوزُ أَنَّ إِخْوَانًا خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَأَنَّهُ بَدَلٌ وَأَنَّهُ الْخَبَرُ، وَ " عِبَادَ اللَّهِ " مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْقَعُ، يَعْنِي أَنْتُمْ مُسْتَوُونَ فِي كَوْنِكُمْ عَبِيدَ اللَّهِ وَمِلَّتُكُمْ وَاحِدَةً، وَالتَّبَاغُضُ وَمَا مَعَهُ مُنَافٍ لِذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونُوا إِخْوَانًا مُتَوَاصِلِينَ مُتَآلِفِينَ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: انْتَصَبَ عِبَادَ اللَّهِ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ حُذِفَ حَرْفُهُ وَإِخْوَانًا خَبَرٌ، وَيَجُوزُ أَنَّهُمَا خَبَرَانِ، وَيَجُوزُ أَنَّ الْخَبَرَ عِبَادَ اللَّهِ، وَإِخْوَانًا حَالٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ لَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا تَنَاجَشُوا بَدَلَ قَوْلِهِ وَلَا تَنَافَسُوا، وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ عِيَاضٌ: النَّجْشُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ ذَمِّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَقِيلَ: النَّجْشُ التَّنْفِيرُ نَجَشَ الصَّيْدَ نَفَّرَهُ، وَالنَّجْشُ أَيْضًا الْإِطْرَاءُ، فَمَعْنَى لَا تَنَاجَشُوا لَا يُنَافِرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيْ: لَا يُعَامِلُهُ مِنَ الْقَوْلِ بِمَا يُنَفِّرُهُ كَمَا يُنَفِّرُ الصَّيْدَ بَلْ يُسْكِنُهُ وَيُؤْنِسُهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَكِنْ فِي رِوَايَةٍ: " «وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» " وَهَذَا يُوَافِقُ مَعْنَى الْمُنَاجَشَةِ فِي الْبَيْعِ، وَيَكُونُ مِنَ الزِّيَادَةِ أَوْ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْ سِلْعَةِ غَيْرِهِ بِإِطْرَاءِ سِلْعَتِهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَعْلُهُ مِنَ النَّجْشِ فِي الْبَيْعِ بَعِيدٌ لِأَنَّ تَنَاجَشُوا تَفَاعَلُوا وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالنَّجْشُ فِي الْبَيْعِ مِنْ وَاحِدٍ فَافْتَرَقَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute