وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَنَظَرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ فَقَالَ مَاذَا فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا وَقَعَ مِنْ الْفِتَنِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَ الْحُجَرِ»
ــ
١٦٩٥ - ١٦٤٥ - (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ شَيْخِ الْإِمَامِ رَوَى عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ) أَيِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ (مِنَ اللَّيْلِ) وَفِي الْبُخَارِيِّ: اسْتَيْقَظَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ (فَنَظَرَ فِي أُفُقِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ، أَيْ: نَاحِيَةِ (السَّمَاءِ فَقَالَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ: سُبْحَانَ اللَّهِ (مَاذَا) اسْتِفْهَامٌ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّعْظِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ (فُتِحَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُرِيدُ مِنْ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ مِمَّا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَخْذِهَا الْكُفْرَ وَالِاتِّسَاعِ فِي الْمَالِ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ فُتِحَ مِنْ خَزَائِنِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ لَا يَنْزِلَ إِلَى الْأَرْضِ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ فَتْحِ تِلْكَ الْخَزَائِنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَتْحُ خَزَائِنِ الْفِتَنِ، فَوَقَعَ بَعْضُ مَا كَانَ فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ إِلَى مَوْضِعٍ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
(وَمَاذَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا يُفْتِنُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَيُحْتَمَلُ الْفِتَنُ الَّتِي حَدَثَتْ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ وَالشَّيْءُ قَدْ يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِأَنَّ مَا يُفْتَحُ مِنَ الْخَزَائِنِ يَكُونُ سَبَبًا لِلْفِتَنِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَزَائِنِ خَزَائِنُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا فُتِحَ عَلَى الصَّحَابَةِ، لَكِنَّ الْمُغَايِرَةَ بَيْنَ الْخَزَائِنِ وَالْفِتَنِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ، فَكَمْ مِنْ نَائِلٍ مِنْ تِلْكَ الْخَزَائِنِ سَالِمٌ مِنَ الْفِتَنِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: عَبَّرَ عَنِ الرَّحْمَةِ بِالْخَزَائِنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: ١٠٠] [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ ١٠٠] وَعَنِ الْعَذَابِ بِالْفِتَنِ؛ لِأَنَّهَا أَسْبَابُهُ. انْتَهَى.
قَالَ شَيْخُنَا عَلَّامَةُ الدُّنْيَا: مَا الْمَانِعُ مِنْ بَقَاءِ الْخَزَائِنِ عَلَى ظَاهِرِهَا حَيْثُ أُرِيدَ بِهَا خَزَائِنُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْآيَةُ لَا تُنَافِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ جَعْلِ الْآيَةِ كِنَايَةً عَنِ الرَّحْمَةِ لِخُصُوصِيَّةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ التَّفْسِيرِ - لَا تُنَافِيهِ أَيْضًا، وَكَذَا بَقَاءُ الْفِتَنِ عَلَى ظَاهِرِهَا حَيْثُ أُرِيدَ بِهَا مَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ تَرْغِيبٍ فِي الصَّبْرِ عَلَى قِلَّةِ الْمَالِ لِفُقَرَائِهِمْ حُمِلَتِ الْخَزَائِنُ عَلَى الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى الْأَرْزَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute