(سورة الْأَنْفَالِ: الْآيَةُ ٤٤) وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ مِثْلُ تَطَوُّرِ الْوَلِيِّ.
وَذَكَرَ رَزِينٌ وَغَيْرُهُ: كَانَ إِذَا جَلَسَ يَكُونُ كَتِفُهُ أَعْلَى مِنْ جَمِيعِ الْجَالِسِينَ، وَدَلِيلَهُ قَوْلُ عَلِيٍّ: " «إِذَا جَاءَ مَعَ الْقَوْمِ غَمَرَهُمْ» " إِذْ هُوَ شَامِلٌ لِلْمَشْيِ وَالْجُلُوسِ، فَقَصَرَ مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ إِلَّا لِرَزِينٍ وَلِلنَّاقِلِينَ عَنْهُ.
(وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ آخِرُهُ قَافٌ، أَيْ: لَيْسَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ كَلَوْنِ الْجِصِّ.
(وَلَا بِالْآدَمِ) بِالْمَدِّ، أَيْ: وَلَا شَدِيدَ السُّمْرَةِ وَإِنَّمَا يُخَالِطُ بَيَاضَهُ الْحُمْرَةُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ: " أَزْهَرُ اللَّوْنِ "، أَيْ: أَبْيَضٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَلِيٍّ: " كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً " وَرَوَاهُ ابْنُ أَسْعَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ، وَالْإِشْرَابُ خَلْطُ لَوْنٍ بِلَوْنٍ كَأَنَّ أَحَدَ اللَّوْنَيْنِ سَقَى الْآخَرَ يُقَالُ بَيَاضٌ مَشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ بِالتَّخْفِيفِ فَإِذَا شُدِّدَ كَانَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ الْأَلْوَانِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُطْلِقُ عَلَى مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَسْمَرَ، وَلِذَا جَاءَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ مَنْدَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ: " كَانَ أَسْمَرَ " وَرَدَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّمْرَةِ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُخَالِطُ الْبَيَاضَ وَبِالْبَيَاضِ الْمُثْبَتِ مَا تُخَالِطُهُ الْحُمْرَةُ وَالْمَنْفِيُّ مَا لَا تُخَالِطُهُ وَهُوَ الَّذِي تَكْرَهُ الْعَرَبُ لَوْنَهُ وَتُسَمِّيهِ أَمْهَقَ، وَبِهَذَا بَانَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبُخَارِيِّ: أَمْهَقُ لَيْسَ بِأَبْيَضَ مَقْلُوبَةً، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهَا إِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَةً بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْهَقِ الْأَخْضَرُ اللَّوْنِ الَّذِي لَيْسَ بَيَاضُهُ فِي الْغَايَةِ وَلَا سُمْرَتُهُ وَلَا حُمْرَتُهُ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ رُؤْبَةَ أَنَّ الْمَهَقَ خُضْرَةُ الْمَاءِ، قَالَهُ الْحَافِظُ، لَكِنَّ رِوَايَةَ " أَسْمَرُ " وَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُهَا فَقَدَ أَعَلَّهَا الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ بِالشُّذُوذِ فَقَالَ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، ثُمَّ نَظَرْنَا مَنْ رَوَى صِفَةَ لَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَسٍ فَكُلُّهُمْ وَصَفُوهُ بِالْبَيَاضِ وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا انْتَهَى، مِنْهُمْ أَبُو جُحَيْفَةَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَبُو الطُّفَيْلِ فِي مُسْلِمٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ " أَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ، وَمُحَرِّشٌ الْكَعْبِيُّ: نَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَسُرَاقَةُ: جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ، رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي خُثَيْمَةَ: الْمُشَرَّبُ بِحُمْرَةٍ أَوْ سُمْرَةٍ مَا ضَحَا مِنْهُ إِلَى الشَّمْسِ وَالرِّيحِ، وَأَمَّا تَحْتَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ، وَلَوْنُهُ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ الْأَبْيَضُ الْأَزْهَرُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَنَسًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلَازِمًا لِلشَّمْسِ، نَعَمْ لَوْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ بَعْضُ الْقَادِمِينَ مِمَّنْ صَادَفَهُ فِي وَقْتٍ غَيَّرَتْهُ الشَّمْسُ لَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِذَلِكَ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ السُّمْرَةُ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ عَلَى الْحُمْرَةِ الْمُخَالِطَةِ لِلْبَيَاضِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute