آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَحَدَهُمَا، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ.
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَبِثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَبُعِثَ لِأَرْبَعِينَ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ " وَجَمَعَ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ مَنْ قَالَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ عَدَّ مِنْ أَوَّلِ مَا جَاءَهُ الْمَلَكُ بِالنُّبُوَّةِ، وَمَنْ قَالَ عَشْرًا عَدَّ مَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَنُزُولِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: ١] [سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ: الْآيَةُ ١] وَيُؤَيِّدُهُ زِيَادَةُ " يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ "، لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ خَبَرِ الشَّعْبِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ ثَلَاثُ سِنِينَ، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُهُ، أَيْ: أَنَّ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ كَانَتْ أَيَّامًا، قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُ الْمَشْهُورَ وَهُوَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ جَاءَ عَنْهُ الْمَشْهُورُ، وَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَنَسٌ وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ الثَّبْتُ عِنْدَنَا، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي سِنِّهِ أَنَّهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ خَمْسٌ وَسِتُّونَ جَبَرَ الْكَسْرَ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ فَقَطْ، وَقَلَّ مَنْ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ، وَمِنَ الشَّاذِّ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَنَّهُ عَاشَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَبْلُغْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَعِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ عَاشَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَنِصْفًا اهـ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: رِوَايَاتُ سِتِّينَ وَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ لَيْسَتْ بِاخْتِلَافٍ إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ أَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يُوحَى إِلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ مَا بَيْنَ رُؤْيَا وَفَتْرَةٍ ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَمَنْ عَدَّهَا قَالَ سِتِّينَ، وَمَنْ عَدَّ الْجُمْلَةَ قَالَ خَمْسًا وَسِتِّينَ، وَمَنْ أَسْقَطَ عَامَيِ الْفَتْرَةِ قَالَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَجَمْعُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَاشَ خَمْسًا، فَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى جَبْرِ الْكَسْرِ.
( «وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ» ) أَيْ: بَلْ أَقَلُّ.
رَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " «مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ» " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: " كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ ".
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: " «كَانَ فِي لِحْيَتِهِ شَعْرَاتٌ بِيضٌ» " فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ لِإِيرَادِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَهُوَ شَعَرَاتٌ، جَمْعُ تَصْحِيحٍ لِشَعَرٍ، وَهُوَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ، وَهُوَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ بُسْرٍ خَصَّهُ بِعَنْفَقَتِهِ فَيُحْمَلُ الزَّائِدُ عَلَى أَنَّهُ فِي صُدْغَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، لَكِنَّ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «لَمْ يَبْلُغْ مَا فِي لِحْيَتِهِ مِنَ الشَّيْبِ عِشْرِينَ شَعْرَةً» " قَالَ حُمَيْدٌ: وَأَوْمَأَ إِلَى عَنْفَقَتِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " «مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً» " وَجُمِعَ بِأَنَّ أَخْبَارَهُ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ.
وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute