نَفْسِيَ (اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ) فِي الْمَنَامِ (فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ) بِالْمَدِّ اسْمٌ (كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ " وَالْأَحْمَرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ مَعَ الْحُمْرَةِ، وَالْآدَمُ الْأَسْمَرُ، وَجُمِعَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بِأَنَّهُ احْمَرَّ لَوْنُهُ بِسَبَبٍ كَالتَّعَبِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَسْمَرُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ الْأُدْمَةَ تَصِيرُ سُمْرَةً تَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَهُوَ غَالِبُ أَلْوَانِ الْعَرَبِ، وَبِهِ تُجْمَعُ الرِّوَايَتَانِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " لَا وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِيسَى: أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ " الْحَدِيثَ.
قَالَ الْحَافِظُ: أَقْسَمَ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّ الْوَصْفَ اشْتَبَهَ عَلَى الرَّاوِي وَأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ أَحْمَرُ إِنَّمَا هُوَ الدَّجَّالُ لَا عِيسَى، وَقَرُبَ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، صِفَةُ مَدْحٍ لِعِيسَى وَذَمٍّ لِلدَّجَّالِ، وَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ ذَلِكَ جَزْمًا فِي وَصْفِ عِيسَى أَنَّهُ آدَمُ فَسَاغَ لَهُ الْحَلِفُ لِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّ مَنْ وَصَفَهُ بِأَحْمَرَ فَقَدْ وَهِمَ، لَكِنْ قَدْ وَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّ عِيسَى أَحْمَرُ فَظَهَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَنْكَرَ شَيْئًا حَفِظَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ: رِوَايَةُ مَنْ قَالَ آدَمُ - أَثْبَتُ فَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مُخَالَفَةِ ابْنِ عُمَرَ.
(لَهُ لِمَّةٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَشَدِّ الْمِيمِ: شَعْرٌ جَاوَزَ شَحْمَةَ الْأُذُنَيْنِ وَأَلَمَّ بِالْمَنْكِبَيْنِ فَإِنْ جَاوَزَهُمَا فَجُمَّةٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِنْ قَصُرَ عَنْهَا فَوَفْرَةٌ (كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ) جَمْعُ لِمَّةٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ (قَدْ رَجَّلَهَا) أَيْ: سَرَّحَهَا (فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً) مِنَ الْمَاءِ الَّذِي سَرَّحَهَا بِهِ أَوْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنْ مَزِيدِ النَّظَافَةِ وَالنَّضَارَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ " وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعْرِ " وَلَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: جَعْدٌ، وَالْجُعُودَةُ ضِدُّ السُّبُوطَةِ، فَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ سَبْطُ الشَّعْرِ جَعْدُ الْجِسْمِ وَالْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُهُ وَاكْتِثَارُهُ، وَهَذَا نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي لَوْنِهِ.
(مُتَّكِئًا) حَالٌ (عَلَى رَجُلَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِمَا (أَوْ) لِلشَّكِّ قَالَ (عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ) جَمْعُ عَاتِقٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ، وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ (يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ) حَالٌ (فَسَأَلْتُ) الْمَلَكَ (مَنْ هَذَا؟) الطَّائِفُ (قِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَدْ تُشَدَّدُ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَصَحَّفَ مَنْ أَعْجَمَهَا لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute