وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ»
ــ
١٧١٢ - ١٦٦٢ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) - بِضَمِّ الْعَيْنِ - قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى الصَّوَابِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٌ، إِلَّا يَحْيَى، فَقَالَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَهُوَ وَهْمٌ وَخَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأَثَرِ، وَالنَّسَبِ.
(ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، مَاتَ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَأَبَوْهُ شَقِيقُ سَالِمٍ (عَنْ) جَدِّهِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ زِيَادَةُ: عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَلَا يُنْكَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَرْوِي عَنْ جَدِّهِ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ حَفَدَتِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ وَمَنْ دُونَهُمْ فِي السِّنِّ، وَلَا أَدْفَعُ رِوَايَةَ ابْنِ بُكَيْرٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ) ، أَيْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ، (فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ) ، أَيْ بِيَدِهِ الْيُمْنَى مِنَ الْيَمَنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ.
(وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ " ; لِأَنَّ مِنْ حَقِّ النِّعْمَةِ الْقِيَامَ بِشُكْرِهَا، وَمِنْ حَقِّ الْكَرَامَةِ أَنْ تُتَنَاوَلَ بِالْيَمِينِ، وَيُمَيَّزَ بِهَا بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ النِّعْمَةِ، وَمَا هُوَ مِنَ الْأَذَى، وَقَدَّمَ الْأَكْلَ إِجْرَاءً لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَى وَفْقِ الطِّبَاعِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعَطَشِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِعْلُهُمَا بِالشِّمَالِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَأَرْشَدَ لِعِلَّةِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ) حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحِيلُهُ، وَالشَّرْعُ لَا يُنْكِرُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِنْ فَعَلْتُمْ كُنْتُمْ أَوْلِيَاءَهُ ; لِأَنَّهُ يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ إِذَا أَمْكَنَتِ الْحَقِيقَةُ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ نَفَى عَنِ الْجِنِّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، فَقَدْ وَقَعَ فِي حَيَالَةِ إِلْحَادٍ وَعَدَمِ رَشَادٍ، بَلِ الشَّيْطَانُ وَجَمِيعُ الْجَانِّ يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَنْكِحُونَ، وَيُولَدُ لَهُمْ، وَيَمُوتُونَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَقْلًا، وَوَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَتَظَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْمِضْمَارِ إِلَّا حِمَارٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَكْلَهُمْ شَمٌّ فَمَا شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ، انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute