للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اسْتِطَاعَتِهِ بِشِدَّةِ الْوَعْكِ.

(فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) ، أَيْ نَظَرِهِ إِلَيْهِ، وَقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ.

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَدَعَا عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَقَالَ (عَلَامَ) بِمَعْنَى لِمَ، وَفِيهِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ، (يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ) فِي الدِّينِ، زَادَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ قَتْلِهِ.

(أَلَّا) بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى هَلَّا، وَبِهَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ (بَرَّكْتَ) ، أَيْ قُلْتَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْمَعْنَى الَّذِي يُخَافُ مِنَ الْعَيْنِ، وَيُذْهِبُ تَأْثِيرَهُ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَقُولُ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَارِكَ، فَإِذَا دَعَا بِالْبَرَكَةِ صُرِفَ الْمَحْذُورُ لَا مَحَالَةَ، انْتَهَى.

وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَافَ أَنْ يُصِيبَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ» "، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ» "، ( «إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ» ) ، أَيِ الْإِصَابَةُ بِهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ مُقْضًى بِهِ فِي الْوَضْعِ الْإِلَهِيِّ لَا شُبْهَةَ فِي تَأْثِيرِهِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْأُمَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَنْكَرَهُ قَوْمٌ مُبْتَدِعَةٌ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا يُشَاهَدُ مِنْهُ فِي الْوُجُودِ، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ أَدْخَلَتْهُ الْعَيْنُ الْقَبْرَ، وَكَمْ مِنْ جَمَلٍ أَدْخَلَتْهُ الْقِدْرَ لَكِنْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مُعْرِضٍ عَنِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ يَتَمَسَّكُ بِاسْتِبْعَادٍ لَا أَصْلَ لَهُ، فَإِنَّا نُشَاهِدُ مِنْ خَوَاصِّ الْأَحْجَارِ، وَتَأْثِيرِ السِّحْرِ مَا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ، وَيُحَقِّقُ أَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ بِسَبَبِ كُلِّ سَبَبٍ، انْتَهَى.

(تَوَضَّأَ لَهُ) الْوُضُوءُ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرِيقِ التَّالِيَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِاغْتَسَلَ، لَيْسَ عَلَى صِفَةِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، وَغَيْرِهِ، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي لِلْوُجُوبِ، وَيَبْعُدُ الْخِلَافُ فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِينِ الْهَلَاكَ، وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ، أَوْ كَانَ الشَّرْعُ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ زَوَالُ الْهَلَاكِ إِلَّا بِوُضُوءِ الْعَائِنِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ.

(فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ) عَلَى الصِّفَةِ الْآتِيَةِ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى سَهْلٍ، (فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) ، أَيْ شِدَّةٌ لِزَوَالِ وَعْكِهِ الَّذِي صَرَعَهُ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ النَّظَرِ إِلَى الْمُغْتَسِلِ مَا لَمْ تَكُنْ عَوْرَةٌ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِعَامِرٍ: لِمَ نَظَرْتَ إِلَيْهِ، إِنَّمَا لَامَهُ عَلَى تَرْكِ التَّبْرِيكِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ يَسْتَحِبُّ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْمُغْتَسِلِ خَوْفَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>