للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَرَى عَوْرَتَهُ، وَإِنَّ مِنَ الطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ الْإِعْجَابَ بِالشَّيْءِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَدَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلِذَا لَمْ يُعَاتَبْ عَامِرٌ عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى تَرْكِ التَّبْرِيكِ الَّذِي فِي وُسْعِهِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَقْتُلُ، وَتَوْبِيخُ مَنْ كَانَ مِنْهُ أَوْ بِسَبَبِهِ سُوءٌ، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ تَحْتَ الْقَدَرِ السَّابِقِ بِذَلِكَ كَالْقَاتِلِ يَقْتُلُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ يَمُوتُ بِأَجْلِهِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تَعْدُو إِذَا لَمْ يَبِرِّكْ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَارِكَ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ أَتْلَفَ الْعَائِنُ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَتَلَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوِ الدِّيَةُ إِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ عَادَةً، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالسَّاحِرِ الْقَاتِلِ بِسِحْرِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْتُلُهُ كُفْرًا، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَيُقْتَلُ، قَتَلَ بِسِحْرِهِ أَمْ لَا ; لِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا يُقْتَلُ الْعَائِنُ، وَلَا دِيَةَ، وَلَا كَفَّارَةَ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُنْضَبَطٍ عَامٍّ دُونَ مَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ، وَبَعْضِ الْأَحْوَالِ مِمَّا لَا انْضِبَاطَ لَهُ، كَيْفَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِعْلٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ حَسَدٌ وَتَمَنٍّ لِزَوَالِ النِّعْمَةِ، وَأَيْضًا فَالَّذِي يَنْشَأُ عَنِ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ حُصُولُ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ فِي إِزَالَةِ الْحَيَاةِ، فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ الْعَيْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحُكْمُ بِقَتْلِ السَّاحِرِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَسِرٌ.

وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْعَائِنِ إِذَا عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ الِاخْتِلَاطَ بِالنَّاسِ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمُؤْذِيَاتِ مِنَ الْمَوَاشِي الَّذِي يُؤْمَرُ بِإِبْعَادِهَا إِلَى حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا أَحَدٌ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>