عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حَقْوَهُ الْأَيْمَنَ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنَ الْمِئْزَرِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُهُ مِنَ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: مَذَاكِيرُهُ، كَمَا يُقَالُ: عَفِيفُ الْإِزَارِ، أَيِ الْفَرْجِ، وَقِيلَ: وِرْكُهُ إِذْ هُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ.
(قَدَحٍ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ، قَالَ: وَحَسِبْتُهُ قَالَ، وَأَمَرَ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَاتٍ، (ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ) لِزَوَالِ عِلَّتِهِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: هَذَا مِنَ الْعِلْمِ يَغْتَسِلُ الْعَائِنُ فِي قَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ، فَيُمَضْمِضُ وَيَمُجُّهُ فِي الْقَدَحِ، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ فِيهِ، ثُمَّ يَصُبُّ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ بِالْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى، فَيَصُبُّ بِهَا عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مِرْفَقِ يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فَيَغْسِلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى، فَيَغْسِلُ الرُّكْبَتَيْنِ، ثُمَّ يَأْخُذُ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً، وَيَضَعُ الْقَدَحَ حَتَّى يَفْرَغَ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَاوِي الْحَدِيثِ.
وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ هَذَا: يَصُبُّ مِنْ خَلْفِهِ صَبَّةً وَاحِدَةً يَجْرِي عَلَى جَسَدِهِ، وَلَا يُوضَعُ الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا، وَدَاخِلَةُ الْإِزَارِ فِي الْقَدَحِ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ.
زَادَ فِي الْإِكْمَالِ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاءَ يَصِفُونَهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا وَمَضَى بِهِ الْعَمَلُ.
قَالَ: وَجَاءَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ عَقِيلٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ الِابْتِدَاءَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ، وَفِيهِ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ، أَنَّهُ لَا يَغْسِلُ جَمِيعَهُمَا، وَإِنَّمَا قَالَ: ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي طَرَفِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ أُصُولِ أَصَابِعِهِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ اه.
وَهُوَ أَقْرَبُ لِقَوْلِ الْحَدِيثِ: وَأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ، وَهَذَا الْغَسْلُ يَنْفَعُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ النَّظْرَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِهِ، وَقَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ، فَقَدْ أَرْشَدَ الشَّارِعُ إِلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ: أَلَّا بَرَّكْتَ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ، وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْعَقْلِ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَسْرَارِ جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَلَا يُرَدُّ لِكَوْنِهِ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ مُتَشَرِّعٌ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ عَضَّدَتْهُ التَّجْرِبَةُ، وَصَدَّقَتْهُ الْمُعَايَنَةُ، أَوْ مُتَفَلْسِفٌ فَالرَّدُّ عَلَيْهِ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ تَفْعَلُ بِقُوَاهَا بِمَعْنًى لَا يُدْرَكُ، وَيُسَمُّونَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ الْخَوَاصَّ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ أَنْكَرَهَا، وَلَا مَنْ سَخِرَ مِنْهَا، وَلَا مَنْ شَكَّ فِيهَا، أَوْ فَعَلَهَا مُجَرِّبًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وَإِذَا كَانَ فِي الطَّبِيعَةِ خَوَاصٌّ لَا تَعْرِفُ الْأَطِبَّاءُ عِلَلَهَا، بَلْ هِيَ عِنْدَهُمْ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا تُفْعَلُ بِالْخَاصِّيَّةِ، فَمَا الَّذِي يُنْكِرُهُ جَهَلَتُهُمْ مِنَ الْخَوَاصِّ الشَّرْعِيَّةِ؟ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُعَالَجَةَ بِالِاغْتِسَالِ مُنَاسَبَةٌ لَا تَلْقَاهَا الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ، فَهَذَا تِرْيَاقُ سُمِّ الْحَيَّةِ، يُؤْخَذُ مِنْ لَحْمِهَا، وَهَذَا عِلَاجُ النَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى بَدَنِ الْغَضْبَانِ، فَيَسْكُنُ فَكَانَ أَثَرُ تِلْكَ