وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ»
ــ
١٧٦١ - ١٧١٢ - (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) مُرْسَلًا عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا مَعْنَ بْنَ عِيسَى، فَرَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَتْ رِوَايَتُهُ بِشَاذَّةٍ ; لِأَنَّهُ تَابَعَهُ ابْنُ وَهَبٍ وَهُوَ مَعْلُومُ الِاتِّصَالِ عِنْدَ أَصْحَابِ هِشَامٍ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحٍ» ) ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ.
وَفِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي الْبُخَارِيِّ: مِنْ فَوْحٍ، بِالْوَاوِ بَدَلَ الْيَاءِ، وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَنْهُ: مِنْ فَوْرٍ، بِالرَّاءِ بَدَلَ الْحَاءِ، وَالثَّلَاثَةُ بِمَعْنَى (جَهَنَّمَ) ، أَيْ سُطُوعِ حَرِّهَا وَفَوَرَانِهِ حَقِيقَةً، أُرْسِلَتْ إِلَى الدُّنْيَا نَذِيرًا لِلْجَاحِدِينَ، وَبَشِيرًا لِلْمُقَرَّبِينَ، لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ، فَاللَّهَبُ الْحَاصِلُ فِي جِسْمِ الْمَحْمُومِ قِطْعَةٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَدَّرَ اللَّهُ ظُهُورَهَا بِأَسْبَابٍ يَقْضِيهَا، لِيَعْتَبِرَ الْعِبَادُ بِذَلِكَ، كَمَا أَنَّ أَنْوَاعَ الْفَرَحِ وَاللَّذَّةِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، أَظْهَرَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ عِبْرَةً وَدِلَالَةً، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ، شَبَّهَ اشْتِعَالَ حَرَارَةِ الطَّبِيعَةِ فِي كَوْنِهَا مُذِيبَةً لِلْبَدَنِ وَمُعَذِّبَةً لَهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ، فَفِيهِ تَنْبِيهٌ لِلنُّفُوسِ عَلَى شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَالَ الطَّيْبِيُّ: " مِنْ " لَيْسَتْ بَيَانِيَّةً حَتَّى تَكُونَ تَشْبِيهًا كَقَوْلِهِ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] (سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٨٧) ، فَهِيَ إِمَّا ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيِ الْحُمَّى نَشَأَتْ وَحَصَلَتْ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ بَعْضٌ مِنْهَا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ: " «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ» "، فَكَمَا أَنَّ حَرَارَةَ الصَّيْفِ أَثَرٌ مِنْ فَيْحِهَا، كَذَلِكَ الْحُمَّى، وَهِيَ حَرَارَةٌ غَرِيبَةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ، وَتَنْتَشِرُ مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوحِ وَالدَّمِ فِي الْعُرُوقِ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ.
(فَابْرُدُوهَا) ، بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ: بَرَدْتُ الْحُمَّى أَبْرُدُهَا بَرْدًا بِوَزْنِ قَتَلْتُهَا أَقْتُلُهَا قَتْلًا، أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute