أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا، وَحُكِيَ كَسْرُ الرَّاءِ مَعَ وَصْلِ الْهَمْزَةِ، وَحَكَى عِيَاضٌ رِوَايَةً بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ: أَبْرَدَ الشَّيْءَ إِذَا عَاجَلَهُ فَصَيَّرَهُ بَارِدًا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَقَوْلُ أَبِي الْبَقَاءِ: الصَّوَابُ وَصْلُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الرَّاءِ، زَادَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ قَطْعَهَا، فِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا رِوَايَةً (بِالْمَاءِ) الْبَارِدِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ " شُرْبًا، وَغَسْلَ أَطْرَافٍ " ; لِأَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ رَطْبٌ يَنْسَاغُ لِسُهُولَتِهِ فَيَصِلُ لِلَطَافَتِهِ إِلَى أَمَاكِنِ الْعِلَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى مُعَاوَنَةِ الطَّبِيعَةِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: اعْتَرَضَ بَعْضُ سُخَفَاءِ الْأَطِبَّاءِ الْحَدِيثَ بِأَنَّ اغْتِسَالَ الْمَحْمُومِ بِالْمَاءِ خَطَرٌ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْهَلَاكِ ; لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَسَامَّ، وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ الْمُتَحَلِّلَ، وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ، وَغَلَطَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَانْغَمَسَ بِالْمَاءِ، أَصَابَهُ الْحُمَّى فَاحْتَقَنَتِ الْحَرَارَةُ فِي بَاطِنِ بَدَنِهِ، فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ صَعْبَةٌ كَادَتْ تُهْلِكُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّتِهِ قَالَ قَوْلًا سَيِّئًا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ، وَأوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ جَهْلُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ، وَارْتِيَابُهُ فِي صِدْقِهِ، فَيُقَالُ لَهُ أَوَّلًا: مِنْ أَيْنَ حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الْكَيْفِيَّةِ فَضْلًا عَنِ اخْتِصَاصِهَا بِالْغُسْلِ، وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إِلَى تَبْرِيدِهَا بِالْمَاءِ، فَإِنْ أَظْهَرَ الْوُجُودُ أَوِ اقْتَضَتْ صِنَاعَةُ الطِّبِّ أَنَّ إِغْمَاسَ كُلِّ مَحْمُومٍ فِي الْمَاءِ أَوْ صَبَّهُ إِيَّاهُ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِعْمَالَهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَعُ فَيُبْحَثُ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لِيَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُوَ كَمَا أَمَرَ الْعَائِنَ بِالِاغْتِسَالِ وَأَطْلَقَ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ أَرَادَ الِاغْتِسَالَ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، لَا مُطْلَقِ الِاغْتِسَالِ، فَكَذَلِكَ هُنَا يُحْمَلُ عَلَى مَا بَيَّنَتْهُ أَسْمَاءُ، لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَنْ رَوَاهُ، فَهِيَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهَا.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا شَكَّ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْصِيلِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرِيضَ يَكُونُ الشَّيْءُ دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ كَغَضَبٍ يُحْمِي مِزَاجَهُ مَثَلًا فَيَتَغَيَّرُ عِلَاجُهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ الشِّفَاءِ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فِي حَالَةٍ لَمْ يَلْزَمْ وُجُودُ الشِّفَاءِ بِهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ، وَأَجْمَعَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالْعَادَةِ وَالْغِذَاءِ الْمُتَقَدَّمِ وَالتَّأْثِيرِ الْمَأْلُوفِ وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ الِاغْتِسَالُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، فَيَكُونُ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَحْيِ، وَيَضْمَحِلُّ عِنْدَ ذَلِكَ كَلَامُ الْأَطِبَّاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ لِبَعْضِ الْحُمَّيَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا أَوْجَهُ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يُبَيِّنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصِّفَةَ وَالْحَالَةَ، فَمِنْ أَيْنَ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْغِمَاسَ، وَالْأَطِبَّاءُ يُسَلِّمُونَ أَنَّ الْحُمَّى الصَّفْرَاوِيَّةَ يُبَرَّدُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِ الْمَاءِ الْبَارِدِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، نَعَمْ، وَيَسْقُونَهُ الثَّلْجَ، وَيَغْسِلُونَ أَطْرَافَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحُمَّى وَالْغَسْلَ عَلَى مِثْلِ مَا قَالُوهُ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute