تَأَوَّلَتْ أَسْمَاءُ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ شَاهَدَتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ عَلَى مَا عُلِمَ، انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُمَّى أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لَهُ الْإِبْرَادُ بِالْمَاءِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ، وَالَّذِي يَصْلُحُ إِبْرَادُهُ بِالْمَاءِ يَخْتَلِفُ أَيْضًا، فَمِنْهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَشَّ بَيْنَ بَدَنِ الْمَحْمُومِ وَجَيْبِهِ، أَوْ يُقَطَّرَ عَلَى صَدْرِهِ مِنَ السِّقَاءِ فَلَا يُجَاوِزُ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى صَبِّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ، أَوْ إِلَى انْغِمَاسِهِ فِي النَّهْرِ الْجَارِي مَرَّةً فَأَكْثَرَ، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْمَرَضِ، وَكَمَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَيْضًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفَصْلِ، وَالْقَطْرِ، وَالْمِزَاجِ، فَلَا يُسَوَّى بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَلَا بَيْنَ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَلَا بَيْنَ مِصْرَ وَالْحِجَازِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ مِزَاجُهُ بَارِدٌ رَطْبٌ، وَبَيْنَ مَنْ مِزَاجُهُ حَارٌّ يَابِسٌ، وَلَا بَيْنَ مَنْ بِهِ نَزَلَاتٌ وَتَحَدُّرَاتٌ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ مِنْ قَوَاعِدِ الطِّبِّ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمُ الْحُمَّى، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطْفِئْهَا عَنْهُ بِالْمَاءِ، يَسْتَنْقِعُ فِي نَهْرٍ جَارٍ، وَيَسْتَقْبِلُ جِرْيَتَهُ، وَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ، وَصَدِّقْ رَسُولَكَ، بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلْيَنْغَمِسْ فِيهِ ثَلَاثَ غَمْسَاتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَخَمْسٌ، وَإِلَّا فَسَبْعٌ، وَإِلَّا فَتِسْعٌ، فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُجَاوِزُ تِسْعًا بِإِذْنِ اللَّهِ» "، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ، وَفِي سَنَدِهِ سَعِيدُ بْنُ زُرْعَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى مَنْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَنَزَلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ الطِّبِّ دَخَلَ فِي قِسْمِ الْمُعْجِزَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِيهِ " صَدِّقْ رَسُولَكَ "، وَ " بِإِذْنِ اللَّهِ "؟ قَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ: عَمِلْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَانْغَمَسْتُ فِي بَحْرِ النِّيلِ فَبَرِئْتُ مِنْهَا، قَالَ وَلَدُهُ: وَلَمْ يُحَمَّ بَعْدَهَا، وَلَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute