للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَدِيثِ سَلْمَانَ: " مِنْ حُبِّهَا "، وَعِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهَا» "، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا آثَرَ طَاعَةَ اللَّهِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّهُ صَارَ قَلْبُهُ مُلْتَفِتًا إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُحِبُّ الْبَرَاحَ عَنْهُ، لِوِجْدَانِهِ فِيهِ رُوحَ الْقُرْبَةِ، وَحَلَاوَةَ الطَّاعَةِ.

وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ حَبِيبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُعَلَّقٌ بِدُونِ تَاءٍ، قَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنَ التَّعْلِيقِ كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْقِنْدِيلِ، إِشَارَةً إِلَى طُولِ الْمُلَازَمَةِ بِقَلْبِهِ، وَإِنْ كَانَ جَسَدُهُ خَارِجًا عَنْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْجَوْزَقِيِّ: " «كَأَنَّمَا قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ» "، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَلَاقَةِ، وَهِيَ شِدَّةُ الْحُبِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ: " «مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ» "، وَكَذَا رِوَايَةُ " مُتَعَلِّقٌ " بِزِيَادَةِ الْفَوْقِيَّةِ، زَادَ سَلْمَانُ: مِنْ حُبِّهَا، ( «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا» ) بِشِدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ، وَأَصْلُهُ تَحَابَبَا أَيِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْمَحَبَّةِ، وَأَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ حَقِيقَةً لَا إِظْهَارًا فَقَطْ.

وَفِي رِوَايَةِ الْجَوْزَقِيِّ: " «وَرَجُلَانِ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ» "، فَصَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ.

(فِي اللَّهِ) ، أَيْ فِي طَلَبِ رِضَاهُ، أَوْ لِأَجْلِهِ لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، (اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ) الْحُبِّ الْمَذْكُورِ، (وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) ، كَمَا زِيدَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: أَيِ اسْتَمَرَّا عَلَى الْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ، وَلَمْ يَقْطَعَاهَا بِعَارِضٍ دُنْيَوِيٍّ سَوَاءٌ اجْتَمَعَا حَقِيقَةً، أَمْ لَا حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا، أَوِ الْمُرَادُ يَحْفَظَانِ الْحُبَّ فِيهِ فِي الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ.

وَوَقَعَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ لِلْحُمَيْدِيِّ: اجْتَمَعَا عَلَى خَيْرٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْمُسْتَخْرَجَاتِ، وَهِيَ عِنْدِي تَحْرِيفٌ، وَعُدَّتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَاحِدَةً مَعَ أَنَّ مُتَعَاطِيَهَا اثْنَانِ ; لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاثْنَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُتَحَابَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَغْنَى عَدُّ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدُّ الْخِصَالِ لَا عَدُّ جَمِيعِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا.

(وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ) بِقَلْبِهِ مِنَ التَّذَكُّرِ، أَوْ لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، (خَالِيًا) مِنَ الْخَلْوَةِ ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ، أَوْ خَالِيًا مِنَ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ فِي مَلَأٍ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ: ذَكَرَ اللَّهَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةٌ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلَاءٍ، أَيْ مَوْضِعٍ خَالٍ وَهِيَ أَصَحُّ.

(فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) ، أَيْ فَاضَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنِهِ، وَأَسْنَدَ الْفَيْضَ إِلَى الْعَيْنِ مُبَالَغَةً كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاضَتْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفَيْضُ الْعَيْنِ بِحَسَبِ حَالَةِ الذَّاكِرِ، وَبِحَسَبِ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ، فَفِي حَالِ أَوْصَافِ الْجَلَالِ يَكُونُ الْبُكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَفِي حَالِ أَوْصَافِ الْجَمَالِ يَكُونُ مِنَ الشَّوْقِ إِلَيْهِ، قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ خُصَّ بِالْأَوَّلِ فِي رِوَايَةِ الْجَوْزَقِيِّ، والْبَيْهَقِيِّ: فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.

وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>