مُسْلِمٍ الَّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا، وَهُوَ مَقْلُوبٌ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الصَّدَقَةِ إِعْطَاؤُهَا بِالْيَمِينِ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ " بَابُ الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ "، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مُسْلِمٍ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا نُوَزِعَ فِيهِ، وَعَارَضَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ دُونَهُ وَلَا مِنْهُ، بَلْ مِنْ شَيْخِهِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، أَوْ شَيْخِ شَيْخِهِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو حَامِدِ بْنُ السُّرَاقِيِّ، وَفِي جَزْمِهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ يَحْيَى عَلَى الصَّوَابِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ: رَبِّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْحَدِيدُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ النَّارُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الْمَاءُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ الرِّيحُ، قَالَتْ: فَهَلْ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمْ ابْنُ آدَمَ، يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، فَيُخْفِيهَا عَنْ شِمَالِهِ» "، وَذِكْرُ الرَّجُلِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى مِثْلُهُ، إِلَّا فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَيُمْكِنُ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِي الْإِمَامِ الْعَادِلِ حَيْثُ تَكُونُ رَبَّةَ عِيَالٍ، فَتَعْدِلُ فِيهِمْ وَإِلَّا فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْمُشَارَكَةُ حَاصِلَةٌ لَهُنَّ، حَتَّى الَّذِي دَعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي امْرَأَةٍ دَعَاهَا مَلِكٌ جَمِيلٌ مَثَلًا، فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ مَعَ حَاجَتِهَا، أَوْ شَابٌّ جَمِيلٌ دَعَاهُ مَلِكٌ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ مَثَلًا، فَخَشِيَ أَنْ يَرْتَكِبَ مِنْهُ الْفَاحِشَةَ، فَامْتَنَعَ مَعَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورِينَ، وَوَجَّهَهُ الكِرْمَانِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ: إِنَّ الطَّاعَةَ إِمَّا بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ، فَالْأَوَّلُ بِاللِّسَانِ، وَهُوَ الذَّاكِرُ، أَوْ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ أَوْ بِالْبَدَنِ، وَهُوَ النَّاشِىءُ بِالْعِبَادَةِ.
وَالثَّانِي عَامٌّ وَهُوَ الْعَادِلُ، أَوْ خَاصٌّ بِالْقَلْبِ وَهُوَ التَّحَابُّ، أَوْ بِالْمَالِ وَهُوَ الصَّدَقَةُ، أَوْ بِالْبَدَنِ وَهُوَ الْعِفَّةُ، انْتَهَى.
لَكِنْ دَلَّ اسْتِقْرَاءُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ بَدَلَ " «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ» "،: «وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ مَعَ قَوْمٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَانْكَشَفُوا فَحَمَى آثَارَهُمْ» ، وَفِي لَفْظٍ: أَدْبَارَهُمْ حَتَّى نَجَوْا أَوْ نَجَا أَوِ اسْتُشْهِدَ، قَالَ الْحَافِظُ: حَسَنٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، والْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَبْدَلَ الشَّابَّ بِقَوْلِهِ: «وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فِي صِغَرِهِ، فَهُوَ يَتْلُوهُ فِي كِبَرِهِ» .
وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْقُوفًا، وَحُكْمُهُ الرَّفْعُ، إِذْ لَا يُقَالُ رَأْيًا، فَقَالَ بَدَلَ الْإِمَامِ وَالشَّابِّ: وَرَجُلٌ يُرَاعِي الشَّمْسَ لِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، وَرَجُلٌ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَنْ حِلْمٍ.
وَلِابْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَرْبَعَةٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ، فَقَدْ عَدَّ الشَّابَّ، وَالْمُتَصَدِّقَ، وَالْإِمَامَ، قَالَ: وَرَجُلٌ تَاجِرٌ اشْتَرَى، وَبَاعَ فَلَمْ يَقُلْ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute