للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى جَوَابِ سَائِلٍ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي مُرْسَلِ عَطَاءٍ الْآتِي: يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ، فَعَمَّ قَوْلُهُ يَرَى الصَّالِحُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرُّؤْيَا نَوْعٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَلَى ضُرُوبٍ، وَأَنْ تَكُونَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ; لِأَنَّ فِيهَا مَا يُعْجِزُ كَالطَّيَرَانِ، وَقَلْبِ الْأَعْيَانِ، وَذَلِكَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ النُّبُوَّةِ، أَوْ لِمَا فِيهَا مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ ; لِأَنَّ الرَّائِيَ يُخْبِرُ بِعِلْمِ مَا غَابَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَأَشْبَهُ بِالْأُصُولِ، انْتَهَى، مُلَخَّصًا.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إِلَّا مَلِكٌ، أَوْ نَبِيٌّ، وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَهُ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ مَا، وَأَمَّا تَفْصِيلُ النِّسْبَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ دَرَجَةُ النُّبُوَّةِ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: هُوَ مِمَّا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ جُمْلَةً، وَتَفْصِيلًا، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِلْعَالِمِ حَدًّا يَقِفُ عِنْدَهُ، فَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ الْمُرَادُ بِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا، وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ السَّفَاقُسِيِّ: أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ فِي الْمَنَامِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَظَةً بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْوَحْيِ فِي الْمَنَامِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَبْقَى حَدِيثُ سَبْعِينَ جُزْءًا لَا مَعْنَى لَهُ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا تَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ، وَالْعَدَدِ، فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ خَبَرًا، وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ أَثَرًا، وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ فِيهِ خَبَرًا، فَكَأَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَأَيَّامِ الصِّيَامِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّا لَا نَصِلُ مِنْ عِلْمِهَا إِلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي مُوجِبِ اعْتِقَادِنَا لِلِزُومِهَا، قَالَ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، لَكِنَّهُ يَلْحَقُ بِهَا سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أُوحِيَ إِلَيْهِ فِيهَا مَنَامًا فِي طُولِ الْمُدَّةِ، كَرُؤْيَا أُحُدٍ وَدُخُولِ مَكَّةَ، فَتُلَفَّقُ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةٌ أُخْرَى تُزَادُ فِي الْحِسَابِ، فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا.

وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ، وَحْيُ الْمَنَامِ الْمُتَابِعُ، فَمَا وَقَعَ فِي غُضُونِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَحْيِ الْيَقَظَةِ، فَهُوَ مَغْمُورٌ فِي جَانِبِ وَحْيِهَا فَلَمْ تُعْتَبَرْ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ غَيْرَ ذَلِكَ يَطُولُ ذِكْرُهَا.

وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ "، وَلَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ: " مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ "، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.

وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: " جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ "، وَعِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ "، وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ: " جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ "، وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عُبَادَةَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>