" جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ "، وَابْنِ النَّجَّارِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ "، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ: " مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ "، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا، فَالْجُمْلَةُ عَشْرُ رِوَايَاتٍ، وَالْمَشْهُورُ " سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ "، وَهُوَ مَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ اخْتِلَافِ الْأَعْدَادِ بِأَنَّهُ بِحَسَبِ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّثَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ لَمَّا أَكْمَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ، حَدَّثَ بِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ وَقْتَ الْهِجْرَةِ، وَلَمَّا أَكْمَلَ عِشْرِينَ حَدَّثَ بِأَرْبَعِينَ، وَلَمَّا أَكْمَلَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، حَدَّثَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ بَعْدَهَا بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ حَدَّثَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَاتِ فَضَعِيفٌ.
وَرِوَايَةُ خَمْسِينَ يُحْتَمَلُ جَبْرُ الْكَسْرِ وَالسَبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَعَبَّرَ بِالنُّبُوَّةِ دُونَ الرِّسَالَةِ لِأَنَّهَا تَزِيدُ بِالتَّبْلِيغِ بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ، فَاطِّلَاعٌ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا نَصِيبٌ كَرُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ، وَرُؤْيَا مَلِكِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ جَالِينُوسَ عَرَضَ لَهُ وَرَمٌ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَتَّصِلُ مِنْهُ بِالْحِجَابِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ فِي الْمَنَامِ بِفَصْدِ الْعِرْقِ الضَّارِبِ مِنْ كَفِّهِ الْيُسْرَى فَبَرَأَ.
بِأَنَّ الْكَافِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لَهَا، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرَى مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرِ دُنْيَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ رُؤْيَتُهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الرُّؤْيَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الْأَنْبِيَاءُ وَرُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ.
وَالصَّالِحُونَ، وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ، وَمَا عَدَاهُمْ يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ.
وَالْأَضْغَاثُ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ مَسْتُورُونَ، فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ، وَفَسَقَةٌ وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الْأَضْغَاثُ وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ، وَكُفَّارٌ وَيَنْدُرُ فِيهَا الصِّدْقُ جِدًّا.
وَيُرْشِدُ لِذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: " «وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا» "، وَحَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute