لِلشَّيْطَانِ فِيهَا لَكِنَّهُ يَحْضُرُهَا وَيَرْتَضِيهَا وَيُسَرُّ بِهَا فَلِذَا نُسِبَتْ إِلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ عَلَى طَبْعِهِ مِنَ التَّحْذِيرِ، وَالْكَرَاهَةِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّهَا تُوَافِقُهُ وَيَسْتَحْسِنُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ شُغْلِ بَالِ الْمُسْلِمِ وَتَضَرُّرِهِ بِهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّحْذِيرُ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الصَّالِحَةِ إِنْذَارٌ مِنَ اللَّهِ، وَاعْتِنَاءٌ مِنْهُ بِعَبْدِهِ لِئَلَّا يَفْجَأَهُ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ وَأُهْبَةٍ، كَمَا أَنَّ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الصِّحَّةُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا أَضْغَاثٌ نَادِرَةُ الْعَوَارِضِ مِنْ وَسْوَسَةِ نَفْسٍ، وَحَدِيثِهَا، أَوْ غَلَبَةِ خَاطِرٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الرُّؤْيَا وَالْحُلْمُ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ خَصَّ الْخَيْرَ بِاسْمِ الرُّؤْيَا، وَالشَّرَّ بِاسْمِ الْحُلْمِ.
وَقَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: الْحُلْمُ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الرُّؤْيَا، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُعْطَهَا بَلِيغٌ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا حَكِيمٌ، بَلْ سَنَّهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُسَمِّيَ مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلَ الْحُلْمَ عِبَارَةً عَمَّا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إِلَّا فِيمَا يُخَيَّلُ لِلْحَالِمِ فِي نَوْمِهِ مِنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ.
(فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ) - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا - طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا (عَنْ يَسَارِهِ) ، لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا، (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِلتَّأْكِيدِ.
وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ: " فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ "، وَفِي أُخْرَى: " فَلْيَتْفُلْ "، قَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي التَّفْلِ وَالنَّفْثِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَا يَكُونَانِ إِلَّا بِرِيقٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي التُّفْلِ رِيقٌ يَسِيرٌ، وَلَا يَكُونُ فِي النَّفْثِ وَقِيلَ: عَكْسُهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فَلْيَنْفُثْ، وَهُوَ النَّفْخُ اللَّطِيفُ بِلَا رِيقٍ، فَيَكُونُ التَّفْلُ وَالْبَصْقُ مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَرْدُ الشَّيْطَانِ، وَإِظْهَارُ احْتِقَارِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ عِيَاضٍ كَمَا مَرَّ، فَالَّذِي يَجْمَعُ الثَّلَاثَةَ الْحَمْلُ عَلَى التَّفْلِ، فَإِنَّهُ نَفْخٌ مَعَهُ رِيقٌ لَطِيفٌ، فَبِالنَّظَرِ إِلَى النَّفْخِ قِيلَ لَهُ: نَفْثٌ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى التَّفْلِ قِيلَ لَهُ: بَصْقٌ، (إِذَا اسْتَيْقَظَ) مِنْ نَوْمِهِ، (وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) ، زَادَ فِي رِوَايَةِ: " وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ "، قَالَ الْحَافِظُ: وَرَدَ فِي صِفَةِ التَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّ الرُّؤْيَا أَثَرٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: " «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ إِذَا اسْتَيْقَظَ: أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنْ يُصِيبَنِي فِيهَا مَا أَكْرَهُ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ» "، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: " «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَسَيِّئَاتِ الْأَحْلَامِ» "، رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ، زَادَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: " وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute