يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا "، وَزَادَ مُسْلِمُ عَنْ جَابِرٍ: " وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ "، وَزَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ "، (فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ مَا ذُكِرَ سَبَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنَ الْمَكْرُوهِ الْمُتَرَقَّبِ مِنَ الرُّؤْيَا، كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ، وَأَنَّهَا تَدْفَعُ الْبَلَاءَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مُصَدِّقًا مُتَّكِلًا عَلَى اللَّهِ فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ.
وَأَمَّا التَّحَوُّلُ فَلِلتَّفَاؤُلِ بِتَحَوُّلِ تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَيَعْمَلَ بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَتْهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ كَافِيَةٌ فِي دَفْعِ شَرِّهَا، انْتَهَى.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي تَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ، وَبَصَقَ وَنَفَثَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَاسْتَعَاذَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فِي أَقْرَبِ الْأَحْوَالِ إِلَيْهِ، فَيَكْفِيهِ اللَّهُ شَرَّهَا.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ: " وَلَا يَقْرُبُكَ شَيْطَانٌ "، فَمُتَّجِهٌ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي صِلَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَدْ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ: " فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ "، وَفِي التِّرْمِذِيِّ: " لَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا "، أَيْ لِأَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبُّ قَدْ يُفَسِّرُهَا بِمَا لَا يُحِبُّ، إِمَّا بُغْضًا، وَإِمَّا حَسَدًا، فَقَدْ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، أَوْ يَتَعَجَّلُ لِنَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حُزْنًا وَنَكَدًا، فَأُمِرَ بِتَرْكِ تَحْدِيثِ مَنْ لَا يُحِبُّ لِسَبَبِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا: " «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ» "، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ رَفَعَهُ: " «الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلٍ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ» "، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ الْعَابِرُ الْأَوَّلُ عَالِمًا، فَعَبَرَ وَأَصَابَ وَجْهَ التَّعْبِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ أَصَابَ بَعْدَهُ، إِذْ لَيْسَ الْمَدَارُ إِلَّا عَلَى إِصَابَةِ الصَّوَابِ فِي تَعْبِيرِ الْمَنَامِ، لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا ضَرَبَ مِنَ الْمَثَلِ، فَإِذَا أَصَابَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ فَلْيُسْأَلِ الثَّانِيَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا عِنْدَهُ، وَيَبَيِّنَ مَا جَهِلَ الْأَوَّلُ، وَفِيهِ بَحْثٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ.
(قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: (إِنْ كُنْتُ لَأَرَى) - بِاللَّامِ - (الرُّؤْيَا هِيَ أَثْقَلُ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ) - بِالْجِيمِ - وَاحِدُ الْجِبَالِ، (فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ) مِنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَوَابُ لَمَّا مَحْذُوفٌ، أَيْ خَفَّ عَلَيَّ مَا أَرَاهُ، (فَمَا كُنْتُ أُبَالِيهَا) ، أَيْ لَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، وَلَا أُلْقِي لَهَا بَالًا.
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute