وَحَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»
ــ
١٨٠٨ - ١٧٦١ - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ) ، زَادَ الْقَعْنَبِيُّ: وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ كِلَاهُمَا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنِ اقْتَنَى) ، أَيِ: اتَّخَذَ (إِلَّا كَلْبًا) ، كَذَا لِيَحْيَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: " «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا» "، (ضَارِيًا) - بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ، وَبِالْيَاءِ وَالنَّصْبِ - أَيْ: مُعَلَّمًا لِلصَّيْدِ مُعْتَادًا لَهُ.
وَرُوِيَ: ضَارٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَحْذِفُ الْأَلِفَ مِنَ الْمَنْقُوصِ حَالَةَ النَّصْبِ، فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُ حَتَّى لِمَنْ لَا يَصِيدُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، أَوْ مَعْنَاهُ: لِصَائِدٍ بِهِ، فَيُنْهَى عَنْهُ مَنْ لَا يَصِيدُ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: إِلَّا كَلْبٌ قَوْلَانِ، قَالَهُ عِيَاضٌ.
(أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ) ، أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، قَالَ عِيَاضٌ: الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي يَسْرَحُ مَعَهَا، لَا الَّذِي يَحْفَظُهَا مِنَ السَّارِقِ، (نَقْصَ مِنْ أَجْرِ) عَمَلِهِ (كُلَّ يَوْمٍ) مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي اقْتَنَاهُ فِيهَا (قِيرَاطَانِ) ، أَيْ: قَدْرًا مَعْلُومًا عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ: قِيرَاطٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلزَّائِدِ لِكَوْنِ رَاوِيهِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَوَّلًا بِنَقْصِ قِيرَاطٍ وَاحِدٍ، فَسَمِعَهُ الرَّاوِي الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَخْبَرَ ثَانِيًا بِنَقْصِ قِيرَاطَيْنِ زِيَادَةً فِي التَّأْكِيدِ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ ذَلِكَ، فَسَمِعَهُ الرَّاوِي الثَّانِي، أَوْ يَنْزِلُ عَلَى حَالَيْنِ: فَنَقْصُ الْقِيرَاطَيْنِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْإِضْرَارِ بِاتِّخَاذِهِ، وَالْقِيرَاطِ بِاعْتِبَارِ قِلَّتِهِ، أَوِ الْقِيرَاطَانِ لِمَنِ اتَّخَذَهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ خَاصَّةً، وَالْقِيرَاطُ بِمَا عَدَاهَا، أَوْ يَلْحَقُ بِالْمَدِينَةِ سَائِرُ الْمُدُنِ وَالْقُرَى، وَيَخْتَصُّ الْقِيرَاطُ بِأَهْلِ الْبَوَادِي، وَهُوَ مُلْتَفِتٌ إِلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّأَذِّي وَقِلَّتِهِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي نَوْعَيْنِ مِنَ الْكِلَابِ، فَفِي مَا لَابَسَهُ أَوْ نَحْوِهِ قِيرَاطَانِ، وَفِيمَا دُونَهُ قِيرَاطٌ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْقِيرَاطَ الَّذِي يَنْقُصُ أَجْرُ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَوَاتِ الْأَكْبَادِ الرَّطْبَةِ أَوِ الْحُرَّةِ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْصِ أَنَّ الْإِثْمَ الْحَاصِلَ بِاتِّخَاذِهِ يُوَازِنُ قَدْرَ قِيرَاطٍ أَوْ قِيرَاطَيْنِ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ، فَيَنْقُصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِ الْمُتَّخِذِ قَدْرُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ بِاتِّخَاذِهِ، وَهُوَ قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ، وَقِيلَ: سَبَبُ النَّقْصِ امْتِنَاعُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ، أَوْ مَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنَ الْأَذَى، أَوْ لِأَنَّ بَعْضَهَا شَيَاطِينُ، أَوْ عُقُوبَةٌ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ، أَوْ وُلُوغُهَا فِي الْأَوَانِي عِنْدَ غَفْلَةِ صَاحِبِهَا، فَرُبَّمَا يُنَجِّسُ الطَّاهِرَ مِنْهَا إِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْعِبَادَةِ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الطَّاهِرِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهَا، أَوْ طَهَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ فِي أَفْوَاهِهَا نَجَاسَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَّخِذْهُ لَكَانَ عَمَلُهُ كَامِلًا، فَإِذَا اقْتَنَاهُ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ عَمَلٍ مَضَى، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute