عَمَلُهُ فِي الْكَمَالِ عَمَلَ مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ، وَنُوزِعَ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَنَّ الرُّويَانِيَّ فِي الْبَحْرِ حَكَى الْخِلَافَ، هَلْ يَنْقُصُ مِنَ الْعَمَلِ الْمَاضِي، أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِي مَحَلِّ نُقْصَانِ الْقِيرَاطَيْنِ؟ فَقِيلَ: مِنْ عَمِلِ النَّهَارِ قِيرَاطٌ، وَمِنْ عَمِلِ اللَّيْلِ قِيرَاطٌ، وَقِيلَ: مِنَ الْفَرْضِ قِيرَاطٌ، وَمِنَ النَّفْلِ آخَرُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيرَاطَيْنِ: هَلْ هُمَا كَقِيرَاطَيْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا أَوْ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ، وَبَابُ الْفَضْلِ أَوْسَعُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الشَّارِعِ تَعْظِيمُ الْحَسَنَاتِ، وَتَخْفِيفُ مُقَابِلِهَا كَرَمًا مِنْهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَتِ الْكِلَابُ هَلْ تَتَعَدَّدُ الْقَرَارِيطُ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؟ أَوْ لَا تَتَعَدَّدُ كَمَا فِي غَسَلَاتِ الْوُلُوغِ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْأَبِيُّ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَظْهَرُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ بِكُلِّ كَلْبٍ، لَكِنْ يَتَعَدَّدُ الْإِثْمُ، فَإِنَّ اقْتِنَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: تَتَعَدَّدُ الْقَرَارِيطُ.
هَذَا وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، كَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ.
وَفِي الصَّحِيحِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمِلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ» "، وَاسْتُشْكِلَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَصْرَيِ الْحَدِيثَيْنِ، إِذْ مُقْتَضَاهُمَا التَّضَادُّ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: الْحَصْرُ فِي الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ إِخْرَاجُ كَلْبِ الزَّرْعِ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْحَصْرُ فِي الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ إِخْرَاجُ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَأَجَابَ فِي الْكَوَاكِبِ بِأَنَّ مَدَارَ أَمْرِ الْحَصْرِ عَلَى الْمَقَامَاتِ، وَاعْتِقَادَ السَّامِعِينَ لَا عَلَى مَا فِي الْوَاقِعِ، فَالْمَقَامُ الْأَوَّلُ اقْتَضَى اسْتِثْنَاءَ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالثَّانِي اقْتَضَى اسْتِثْنَاءَ كَلْبِ الزَّرْعِ، فَصَارَا مُسْتَثْنَيَيْنِ، وَلَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ» "، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ زِيَادَةَ الزَّرْعِ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ» "، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا.
لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يَقُلِ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ تَصْحِيحًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ اعْتَنَى بِحِفْظِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ دُونَهُ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْوَالِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا رِوَايَةُ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي مُسْلِمٍ كَابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَحَقَّقَهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَهَا فِي حَدِيثِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكِلَابِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ، وَكَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ كَاتِّخَاذِهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قِيَاسًا، فَتَمَحَّضَ كَرَاهَةَ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ، وَامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ، أَيْ: مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا لَيْسَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ يُمْنَعُ اتِّخَاذُهُ سَوَاءٌ نَقَصَ مِنَ الْأَجْرِ أَمْ لَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute