فِي لُغَةٍ رَدِيَّةٍ، أَيْ: يَقْرُبُ « (أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ) » ، نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ مَرْفُوعٌ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي الرِّوَايَةِ اسْمُ يَكُونَ مُؤَخَّرًا، وَخَيْرَ مَالِ خَبَرُهَا مُقَدَّمًا، وَفَائِدَةُ تَقْدِيمِهِ الِاهْتِمَامُ، إِذِ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ الِاعْتِزَالُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي الْغَنَمِ، فَلِذَا أَخَّرَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: بِرَفْعِ " خَيْرُ " اسْمٌ، وَنَصْبُ غَنَمًا خَبَرٌ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ يُقَدَّرُ فِي يَكُونَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ لَمْ تَجِئْ بِهِ الرِّوَايَةُ.
(يَتَّبِعُ بِهَا) - بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ - افْتِعَالٌ مِنِ اتَّبَعَ اتِّبَاعًا، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا مِنْ تَبِعَ - بِالْكَسْرِ - يَتْبَعُ بِالْفَتْحِ، أَيْ: بِالْغَنَمِ، (شَعَفَ) ، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، فَفَاءٍ، أَيْ: رُءُوسَ (الْجِبَالِ) - بِالْجِيمِ - وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى شَعَبَ، بِمُوَحَّدَةٍ بَدَلَ الْفَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ النَّاسُ شَعَفَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ، وَفَاءٍ، جَمْعُ شَعَفَةٍ، كَأَكَمٍ وَأَكَمَةٍ، وَهِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ.
(وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ) ، أَيِ: الْمَطَرِ بِالنَّصْبِ عَلَى شَعَفَ، أَيْ: بُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَالصَّحَارِي؛ إِذْ هُمَا مَوَاضِعُ الرَّعْيِ حَالَ كَوْنِهِ (يَفِرُّ بِدِينِهِ) ، أَيْ: بِسَبَبِهِ مِنَ النَّاسِ، أَوْ مَعَ دِينِهِ (مِنَ الْفِتَنِ) ، طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ لَا لِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ، وَفِيهِ فَضْلُ الْعُزْلَةِ لِلْخَائِفِ عَلَى دِينِهِ، إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِزَالَتِهَا، فَتَجِبُ الْخُلْطَةُ عَيْنًا، أَوْ كِفَايَةً بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْإِمْكَانِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَوْلَى لِاكْتِسَابِ الْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا، كَإِعَانَةٍ وَإِغَاثَةٍ وَعِبَادَةٍ، وَفَضَّلَ قَوْمٌ الْعُزْلَةَ، لِتَحَقُّقِ السَّلَامَةِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ مَا يَتَعَيَّنُ، وَلِيَعْمَلَ بِمَا عَلِمَ، وَيَأْنَسَ بِدَوَامِ الذِّكْرِ.
نَعَمْ تَجِبُ الْعُزْلَةُ عَلَى مَنْ لَا يَسْلَمُ دِينُهُ بِالصُّحْبَةِ، وَتَجِبُ الصُّحْبَةُ لِمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَاتَّبَعَهُ، وَالْبَاطِلَ فَاجْتَنَبَهُ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ جَهِلَ ذَلِكَ لِيَعْمَلَهُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِيمَانِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الْفِتَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ الْمَاجِشُونُ، وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُ فِي الْأَدَبِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ عَنْ مُسْلِمٍ، نَعَمْ أَخْرَجَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ: " «أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ» "، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْفِتَنِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ فَيُقَيَّدُ بِهَا الْمُطْلَقُ، وَلَهَا شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ سُكْنَى الْبَوَادِي، وَالسِّيَاحَةِ، وَالْعُزْلَةِ اهـ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute