ذَلِكَ لَا أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثُبُوتِ ذَلِكَ، وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِبُعْدِهِ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبْعَثْ لِيُخْبِرَ النَّاسَ عَنْ مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمَاضِيَةِ، أَوِ الْحَاصِلَةِ، وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَعْتَقِدُوهُ، وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا شُؤْمَ، وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّابَّةِ وَالْفَرَسِ» "، فَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِيسِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ «قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ.
فَقَالَتْ: لَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ دَخَلَ، وَهُوَ يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ» ، فَسَمِعَ آخَرَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، فَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ عَائِشَةَ، لَكِنْ رَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ: أَنَّ رَجُلَيْنِ دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشُّؤْمُ فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّابَّةِ، فَغَضِبَتْ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَتْ مَا قَالَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ» .
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، مَعَ مُوَافَقَةِ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ عَلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} [الحديد: ٢٢] (سورة الْحَدِيدِ: الْآيَةُ ٢٢) الْآيَةَ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، لَا سِيَّمَا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ، خُصُوصًا وَقَدْ وَرَدَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ التَّطَيُّرِ، ثُمَّ إِثْبَاتُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، " «لَا عَدْوَى وَلَا طِيرَةَ، وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ» "، فَذَكَرَهَا.
وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: " «لَا هَامَةَ، وَلَا عَدْوَى، وَلَا طِيرَةَ "، وَإِنْ تَكُنِ الطِّيرَةُ فِي شَيْءٍ، فَفِي الدَّارِ وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ، وَالطِّيرَةُ وَالشُّؤْمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ» ، انْتَهَى.
وَقَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَابِقِهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: ١٤] (سورة التَّغَابُنِ: الْآيَةُ ١٤) ، إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الشُّؤْمِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا الْعَدَاوَةُ، وَالْفِتْنَةُ لَا كَمَا يَفْهَمُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِكَعْبِهَا، وَإِنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى مَنْ نَسَبَ الْمَطَرَ إِلَى النَّوْءِ الْكُفْرَ، فَكَيْفَ مَنْ نَسَبَ مَا يَقَعُ مِنَ الشَّرِّ إِلَى الْمَرْأَةِ مِمَّا لَيْسَ لَهَا فِيهِ مَدْخَلٌ؟ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ مُوَافِقُ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ، فَتَنْفِرُ النَّفْسُ مِنْ ذَلِكَ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَتْرُكَهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَيْهَا، انْتَهَى.
ثُمَّ لَا يُشْكِلُ هَذَا مَعَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْجِهَادِ: " «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» "، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الشُّؤْمَ فِي غَيْرِ الَّتِي رُبِطَتْ لِلْجِهَادِ وَالَّتِي أُعِدَّتْ لَهُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، أَوْ يُقَالُ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ فَسَرَّ الْخَيْرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْفُرْسُ مِمَّا يُتَشَاءَمُ بِهِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute