وَغَيْرُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يُظَنُّ بِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى مُعْتَقَدِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِذَاتِهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ هِيَ أَكْثَرُ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِنْهَا أُبِيحَ لَهُ تَرْكُهُ، وَيَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَطُولُ تَعْذِيبُ الْقَلْبِ بِهَا مَعَ كَرَاهِيَةِ أَمْرِهَا لِمُلَازَمَتِهَا بِالسُّكْنَى وَالصُّحْبَةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدِ الْإِنْسَانُ الشُّؤْمَ فِيهَا، فَأَشَارَ الْحَدِيثُ إِلَى الْأَمْرِ بِفِرَاقِهَا لِيَزُولَ التَّعْذِيبُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوْلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ مَالِكٍ، وَهُوَ نَظِيرُ الْأَمْرِ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ مَعَ صِحَّةِ نَفْيِ الْعَدْوَى، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ حَسْمُ الْمَادَّةِ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يُوَافِقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَدَرَ، فَيَعْتَقِدُ مَنْ وَقَعَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَدْوَى، أَوْ مِنَ الطِّيرَةِ، فَيَقَعُ فِي اعْتِقَادِ مَا نُهِيَ عَنِ اعْتِقَادِهِ، فَأُشِيرَ إِلَى اجْتِنَابِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَالطَّرِيقُ فِيمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ مَثَلًا أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى بَقِيَ فِيهَا رُبَّمَا حَمَلَهُ اعْتِقَادُ صِحَّةِ الطِّيرَةِ وَالتَّشَاؤُمِ، وَقِيلَ: شُؤْمُ الدَّارُ: ضِيقُهَا وَسُوءُ جِوَارِهَا، وَبُعْدُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يُسْمَعُ فِيهَا الْأَذَانُ، وَالْمَرْأَةُ: أَنْ لَا تَلِدَ، وَسُوءُ خُلُقِهَا، أَوْ غَلَاءُ مَهْرِهَا، أَوْ عَدَمُ قَنْعِهَا، أَوْ بَسْطُ لِسَانِهَا، وَالْفَرَسُ: أَنْ لَا يَغْزُو عَلَيْهَا، أَوْ حُرُونُهَا.
وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: " «إِذَا كَانَ الْفَرَسُ حَرُونًا، فَهُوَ مَشْئُومٌ، وَإِذَا حَنَّتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَعْلِهَا الْأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَعِيدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، لَا يُسْمَعُ مِنْهَا الْأَذَانُ، فَهِيَ مَشْئُومَةٌ» "، وَلِلطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ: " «أَنَّ مِنْ شَقَاءِ الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا، سُوءُ الدَّارِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّابَّةِ» "، وَفِيهِ: " «سُوءُ الدَّارِ ضِيقُ سَاحَتِهَا، وَخُبْثُ جِيرَانِهَا، وَسُوءُ الدَّابَّةِ مَنْعُ ظَهْرِهَا، وَسُوءُ طَبْعِهَا، وَسُوءُ الْمَرْأَةِ عُقْمُ رَحِمِهَا، وَسُوءُ خُلُقِهَا» "، وَرَوَى أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا: " «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شَقَاءِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ: " «الْمَرْكَبُ الْهَنِيُّ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ» "، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ: " «وَثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا تَسُوءُكَ، وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قُطُوفًا، فَإِذَا ضَرَبَتْهَا تَعِبَتْ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا لَمْ تَلْحَقْ أَصْحَابَكَ، وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ الْمَرَافِقِ» "، وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ: يَكُونُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِقَدَرِ اللَّهِ.
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ مَا حَاصِلُهُ: الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: الشُّؤْمُ مَنِ الْتَزَمَ التَّطَيُّرَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ صَرْفَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُلَازِمُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَانْزِعُوهَا عَنْكُمْ، وَلَا تُعَذِّبُوا أَنْفُسَكُمْ بِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْدِيرُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِنَفْيِ الطِّيَرَةِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ: " «لَا طِيرَةَ، وَالطِّيرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ» "، وَقِيلَ: الْحَدِيثُ سِيقَ لِبَيَانِ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute