الْحَدِيثَ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ الْكَمَالِ لَا الْأَصْلِ.
وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: لَا يَهِنُ أَحَدُكُمْ نَوْمَهُ، وَلَا طَعَامَهُ وَلَا شَرَابَهُ.
وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَالْمُرَادُ مَنْعُهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ لِاشْتِغَالِهِ بِمَسِيرِهِ.
( «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ» ) - بِفَتْحِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْهَاءِ - قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَضَبَطْنَاهُ أَيْضًا بِكَسْرِ النُّونِ، أَيْ: حَاجَتَهُ بِأَنْ بَلَغَ هِمَّتَهُ، (مِنْ وَجْهِهِ) ، أَيْ: مِنْ مَقْصَدِهِ.
وَلِابْنِ عَدِيٍّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ وَطَرَهُ مِنْ سَفَرِهِ» "، وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهُ: " «فَإِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ حَاجَتِهِ» "، (فَلْيُعَجِّلْ) - بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ، وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةٍ - الرُّجُوعَ (إِلَى أَهْلِهِ) ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ، وَفِي رِوَايَةِ عَتِيقٍ: " «فَلْيُعَجِّلِ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ» "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ: " «فَلْيُعَجِّلِ الْكَرَّةَ إِلَى أَهْلِهِ» "، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «فَلْيُعَجِّلِ الرِّحْلَةَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ» "، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: زَادَ فِيهِ بَعْضُ الضُّعَفَاءِ عَنْ مَالِكٍ: " «وَلِيَتَّخِذْ لِأَهْلِهِ هَدِيَّةً» ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا حَجَرًا فَلْيَنْقُلْهُ فِي مِخْلَاتِهِ "، وَالْحِجَارَةُ يَوْمَئِذٍ يُضْرَبُ بِهَا الْقِدَاحُ، يَعْنِي حَجْرَ الزِّنَادِ، قَالَ: وَهِيَ زِيَادَةٌ مُنْكَرَةٌ لَا تَصِحُّ.
وَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ التَّغَرُّبِ عَنِ الْأَهْلِ بِلَا حَاجَةٍ، وَنَدْبُ اسْتِعْجَالِ الرُّجُوعِ لَا سِيَّمَا مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ، وَلِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي الْأَهْلِ مِنَ الرَّاحَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَحْصِيلِ الْجَمَاعَاتِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «سَافِرُوا تَصِحُّوَا» "؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الصِّحَّةِ بِالسَّفَرِ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاضَةِ أَنْ لَا يَكُونَ قِطْعَةً مِنَ الْعَذَابِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَصَارَ كَالدَّوَاءِ الْمُرِّ الْمُعَقِّبِ لِلصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي تَنَاوُلِهِ كَرَاهَةٌ، وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْخَطَّابِيُّ تَغْرِيبَ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِتَعْذِيبِهِ، وَالسَّفَرُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَفِي الْجِهَادِ عَنِ التِّنِّيسِيِّ، وَفِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ، وَمُسْلِمٌ فِي الْمَغَازِي عَنْ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ، وَالْقَعْنَبِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَمَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، الثَّمَانِيَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَوَرَدَ عَلَى سُؤَالٍ مِنَ الشَّامِ: هَلْ وَرَدَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ سَقَرٍ؟ كَمَا هُوَ دَارِجٌ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: لَمْ يُرِدْ، هَلْ تَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ» "، فَأُجِيبَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ الدَّارِجِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَافِظَانِ: السَّخَاوِيُّ، وَالسُّيُوطِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، مَعَ ذِكْرِهِمَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الْمَذْكُورَ، فَلَعَلَّ هَذَا اللَّفْظَ مِمَّا حَدَّثَ بَعْدَهُمَا، وَلَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْوَارِدِ، إِذْ مِنْ شَرْطِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ بِجَوَازِهَا؛ أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ أَدَّى بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ، وَ " قِطْعَةٌ مِنْ سَقَرٍ " لَا يُؤَدِّي مَعْنَى " قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ " بِمَعْنَى التَّأَلُّمِ مِنَ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ سَقَرٍ كَوْنُهُ تَشْبِيهًا بَلِيغًا، أَوِ اسْتِعَارَةً يَقْتَضِي قُوَّةَ الْمَشَقَّةِ جِدًّا، فَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} [الرعد: ٣٤] (سورة الرَّعْدِ: الْآيَةُ ٣٤) ، فَلَا يُؤَدِّي عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute