للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَلَاكًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْإِثْمِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، أَوْ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ لِذَمِّهِ لِلنَّاسِ، وَذِكْرِ عُيُوبِهِمْ وَتَكَبُّرِهِ، وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا، فِعْلٌ مَاضٍ، أَيْ: أَنَّهُ هُوَ نَسَبَهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ لَا أَنَّهُمْ هَلَكُوا حَقِيقَةً، أَوْ لِأَنَّهُ أَقْنَطَهُمْ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَآيَسَهُمْ مِنْ غُفْرَانِهِ، وَأَيَّدَ الرَّفْعَ بِرِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، فَهُوَ مَنْ أَهْلَكَهُمْ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّمَّ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِزْرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ،

وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْبِيحِ أَحْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ سِرَّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي نَفْسِهِ، وَفِي النَّاسِ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَعِيبُ النَّاسَ، وَيَذْكُرُ مُسَاوِيَهُمْ، وَيَقُولُ: فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ، أَيُ: أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يُلْحِقُهُ مِنَ الْإِثْمِ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ، وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْبِ بِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْوَعْظِ، وَالتَّذْكِيرِ لِيَقْتَدِيَ اللَّاحِقُ بِالسَّابِقِ، فَيَجْتَهِدُ الْمُقَصِّرُ، وَيَتَدَارَكُ الْمُفَرِّطُ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا لَوْ رَأَوْكُمْ لَقَالُوا: لَا يُؤْمِنُونَ بِيَوْمِ الْحِسَابِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ أَيْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>