١٨٧٠ - ١٨٢٣ - (مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -) وَهَلْ يُقَالُ لَهُنَّ أَيْضًا: أَمُّ الْمُؤْمِنَاتِ، أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ: (أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ (حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، وَهُوَ الثُّمُنُ عَمَلًا بِعُمُومِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ.
(فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: «فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ، أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: (لَا نُورَثُ) » - بِضَمِّ النُّونِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ - مُخَفَّفَةً، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَرْفُوعًا: " «إِنَّا مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرَّثُ» "، ( «مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» ) بِالرَّفْعِ قَطْعًا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَا تَرَكْنَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: " مَا تَرَكْنَا " صَدَقَةً، بِإِسْقَاطِ: " فَهُوَ " بِرَفْعِ " صَدَقَةٌ "، كَمَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ مَا تَرَكْنَا، الْكَلَامُ جُمْلَتَانِ: الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ، وَادَّعَى بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ الصَّوَابَ قِرَاءَةُ: لَا " يُورَثُ " بِتَحْتِيَّةٍ أَوَّلَهُ، وَنَصْبِ " صَدَقَةٌ " عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى بَعْضِ الْإِمَامِيَّةِ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ احْتَجَّ بِهِ عَلَى فَاطِمَةَ، وَهُمَا مِنْ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ، وَأَعْلَمُ بِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ الرَّوَافِضُ، لَمْ يَكُنْ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حُجَّةٌ، وَلَا كَانَ جَوَابُهُ مُطَابِقًا لِسُؤَالِهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ أَنْصَفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَقَالَ فِي تَخْرِيجِهِ لِأَحَادِيثِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُوجَدْ بِلَفْظِ: «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ» ، وَوُجِدَ بِلَفْظِ: إِنَّا، وَمُفَادُهُمَا وَاحِدٌ، فَلَعَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ: نَحْنُ، ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الصِّدِّيقِ بِلَفْظِ: " «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» "، انْتَهَى.
وَذَهَبَ النَّحَّاسُ إِلَى صِحَّةِ نَصْبِ " صَدَقَةٌ " عَلَى الْحَالِ، وَأَنْكَرَهُ عِيَاضٌ لِتَأْيِيدِهِ مَذْهَبَ الْإِمَامِيَّةِ، لَكِنْ قَدَّرَهُ ابْنُ مَالِكٍ: مَا تَرَكْنَا مَتْرُوكٌ صَدَقَةً، فَحُذِفَ الْخَبَرُ، وَبَقِيَ الْحَالُ كَالْعِوَضِ مِنْهُ، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ " وَنَحْنُ عُصْبَةً " بِالنَّصْبِ، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ بِالنَّصْبِ حَتَّى يَتَعَسَّفَ لَهُ هَذَا التَّوْجِيهَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَذْفُ الْخَبَرِ، بَلْ يُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ الْإِمَامِيَّةُ، وَلِذَا أَنْكَرَهُ عِيَاضٌ، وَإِنْ صَحَّ فِي نَفْسِهِ، وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُمْ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُورَثُونَ، أَنَّهُمْ لَوْ وُرِّثُوا لَظُنَّ أَنَّ لَهُمْ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا لِوَارِثِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute