وَالْخَفْضِ وَالْجَمْعِ وَاللَّفْظَانِ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ، وَلَيْسَتْ مُضَافَةً إِلَى مَوْضِعٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ: إِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، وَاتَّفَقَ هُوَ وَأَبُو ذَرٍّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ عَلَى أَنَّ مَنْ رَفَعَ الرَّاءَ حَالَ الرَّفْعِ، فَقَدْ غَلِطَ، وَعَلَى ذَلِكَ كُنَّا نَقْرَؤُهُ عَلَى شُيُوخِ بَلَدِنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَشْرِقِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ بِقَصْرِ بَنِي حُدَيْلَةَ قِبْلِيَّ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: بَيْرَحَاءَ، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ، وَجَاءَ فِي ضَبْطِهَا أَوْجُهٌ، جَمَعَهَا فِي النِّهَايَةِ، فَقَالَ: يُرْوَى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ.
وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ بَرَيْحَا - بِفَتْحِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - مُقَدَّمَةً عَلَى التَّحْتِيَّةِ.
وَفِي أَبِي دَاوُدَ: بَأَرْيَحَاءَ مِثْلُهُ، لَكِنْ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَفْصَحُهَا بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ مَقْصُورٌ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الصَّغَانِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ فَعَيْلَا مِنَ الْبَرَاحِ، قَالَ: وَمَنْ ذَكَرَهُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، فَظَنَّ أَنَّهَا بِئْرٌ مِنْ آبَارِ الْمَدِينَةِ، فَقَدْ صَحَّفَ، انْتَهَى.
وَتُعُقِّبَ فِيمَا نَسَبَهُ لِلنِّهَايَةِ بِأَنَّ الَّذِي فِيهَا إِنَّمَا هُوَ خَمْسٌ فَقَطْ، فَنَصَبَهَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَالْمَدِّ فِيهَا، وَبِفَتْحِهِمَا وَالْقَصْرِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: رُوِّينَا بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ، وَضَمِّهَا، يُسَمَّى بِهِ، وَلَيْسَ اسْمَ بِئْرٍ، وَجَزَمَ التَّيْمِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْبُسْتَانُ، قَالَ: لِأَنَّ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ تُدْعَى بِآبَارِهَا، أَيِ الْبُسْتَانَ الَّذِي فِيهِ بَيْرُحَاءُ، وَجَزَمَ الصَّغَانِيُّ بِأَنَّهَا اسْمُ أَرْضٍ لَا بِئْرٍ، قَالَ فِي اللَّامِعِ: وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَرْضَ أَوِ الْبُسْتَانَ تُسَمَّى بَاسِمِ الْبِئْرِ الَّتِي فِيهِ، وَصَوَّبَ الصَّغَانِيُّ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ، وَالْمَجْدُ الشِّيرَازِيُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَتْحَ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّهَا الْمَسْمُوعَةُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي حَاءٍ هَلْ هِيَ اسْمُ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ مَكَانٍ، أُضِيفَتْ إِلَيْهِ الْبِئْرُ، أَوْ هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ؟ فَكَأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تَرْعَى هُنَاكَ وَتُزْجَرُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَأُضِيفَتِ الْبِئْرُ إِلَى اللَّفْظَةِ الْمَذْكُورَةِ.
(وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ) النَّبَوِيِّ، أَيْ مُقَابِلَتَهُ قَرِيبَةً مِنْهُ، (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُهَا) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَيَسْتَظِلُّ فِيهَا، (وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا) ، أَيْ فِي بَيْرُحَاءَ (طَيِّبٍ) بِالْجَرِّ صِفَةُ مَاءٍ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ، وَتَفْضِيلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَإِبَاحَةُ الشُّرْبِ مِنْ دَارِ الصَّدِيقِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا إِذَا عُلِمَ طِيبُ نَفْسِهِ، وَاتِّخَاذُ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ، وَدُخُولُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ فِيهَا، وَالِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا، وَالرَّاحَةُ وَالتَّنَزُّهُ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا يُثَابُ عَلَيْهِ إِذَا قُصِدَ بِهِ إِجْمَامُ النَّفْسِ مِنْ تَعَبِ الْعِبَادَةِ، وَتَنْشِيطُهَا فِي الطَّاعَةِ.
(قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ» ) ، أَيْ لَا تَبْلُغُوا حَقِيقَةَ الْبِرِّ الَّذِي هُوَ كَمَالُ الْخَيْرِ، أَوْ لَنْ تَنَالُوا بِرَّ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ وَالرِّضَا وَالْجَنَّةُ، (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ،