(اللِّيثِيِّ) بِمُثَلَّثَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقِيلَ: مَوْلَاهُمْ (الْمَدَنِيِّ) نَزِيلُ الشَّامِ مِنَ الثِّقَاتِ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَمِائَةٍ، وَقَدْ جَاوَزَ الثَّمَانِينَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ أُنَاسًا) - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - (مِنَ الْأَنْصَارِ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَسْمَاؤُهُمْ إِلَّا أَنَّ فِي النَّسَائِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الرَّاوِيَ مِنْهُمْ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: أَنَّهُ خُوطِبَ بِبَعْضِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَيْسَ أَنْصَارِيًّا إِلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، « (سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ) ثَانِيًا (فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ) » بِكَسْرِ الْفَاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ فَرَغَ (مَا عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ) مَا مَوْصُولَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَجَوَابُهُ، (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ لَنْ أَجْعَلَهُ دَخِيرَةً لِغَيْرِكُمْ، أَوْ لَنْ أَحْبِسَهُ، وَأَخْبَأَهُ وَأَمْنَعَهُ إِيَّاهُ، (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) بِفَاءَيْنِ، أَيْ يَطْلُبِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ (يُعِفَّهُ اللَّهُ) ، بِنَصْبِ الْفَاءِ، أَيْ يَصُونَهُ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ يَرْزُقَهُ الْعِفَّةَ، أَيِ الْكَفِّ عَنِ الْحَرَامِ، (وَمَنْ يَسْتَغْنِ) يُظْهِرِ الْغِنَى بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْيَسِيرِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ (يُغْنِهِ اللَّهُ) ، أَيْ يَمُدَّهُ بِالْغِنَى مِنْ فَضْلِهِ.
(وَمَنْ يَتَصَبَّرْ) يُعَالِجِ الصَّبْرَ وَيَتَكَلَّفْهُ عَلَى ضِيقِ الْعَيْشِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا، (يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) : يَرْزُقُهُ اللَّهُ الصَّبْرَ، وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَيُوَفِّقُهُ لَهُ، (وَمَا أُعْطِيَ) ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (أَحَدٌ) نَائِبَهُ (عَطَاءً) ، نُصِبَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأُعْطِيَ، (هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ) ، لِجَمْعِهِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ: أَمْرٌ يَدُومُ لَهُ الْغِنَى بِهِ لَا يَفْنَى، وَمَعَ عَدَمِهِ لَا يَدُومُ لَهُ الْغِنَى وَإِنْ كَثُرَ، وَرُبَّمَا يَغْنَى، وَيَمْتَدُّ الْأَمَلُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الصَّبْرِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ مَنْ طَلَبَ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ، وَلَمْ يُظْهِرْ الِاسْتِغْنَاءَ يُعِفَّهُ اللَّهُ، أَيْ يُصَيِّرُهُ عَفِيفًا، وَمَنْ تَرَقَّى عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْ إِظْهَارِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْخَلْقِ، لَكِنْ إِنْ أُعْطِيَ شَيْئًا لَمْ يَرُدَّهُ، يَمْلَأُ اللَّهُ قَلْبَهُ غِنًى، وَمَنْ فَازَ بِالْقَدَحِ الْمُعَلَّى وَتَصَبَّرَ، وَلَمْ يَسْأَلْ وَإِنْ أُعْطِيَ لَمْ يَقْبَلْ، فَهَذَا هُوَ الصَّبْرُ الْجَامِعُ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، انْتَهَى.
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ السَّخَاءِ، وَإِنْفَاذِ أَمْرِ اللَّهِ، وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ مَرَّتَيْنِ، وَالِاعْتِذَارِ إِلَى السَّائِلِ، وَالْحَضِّ عَلَى التَّعَفُّفِ، وَجَوَازِ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِزْقُهُ بِلَا مَسْأَلَةٍ.
وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute