للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ»

ــ

١٨٨١ - ١٨٣٤ - (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ» ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا، (وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ) ، أَيْ يَحُضُّ عَلَيْهَا الْأَغْنِيَاءَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ اسْمِيَّةٌ أَيْضًا، وَلِلْقَعْنَبِيِّ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْحَالِيَّةِ، (وَ) يَذْكُرُ (التَّعَفُّفَ) بِفَاءَيْنِ (عَنِ الْمَسْأَلَةِ) ، أَيْ يَحُضُّ الْفَقِيرَ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنْهَا، أَوْ يَحُضُّهُ عَلَى التَّعَفُّفِ، وَيَذُمُّ الْمَسْأَلَةَ، ( «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى» ) ، قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا، سُمِّيَتْ يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا ; لِأَنَّهُ أَرْفَعُ دَرَجَةً وَمَحَلًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

(وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ) ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَنْفَقَ، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ الْأَكْثَرُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، وَقَالَ وَاحِدٌ عَنْهُ: الْمُتَعَفِّفَةُ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ الْحَافِظُ الْوَاحِدُ الْقَائِلُ " الْمُتَعَفِّفَةُ " بِعَيْنٍ وَفَاءَيْنِ هُوَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَتَابَعَهُ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَارِثِ، فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَوْصُولَةً، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ: وَالْيَدُ الْعُلْيَا يَدُ الْمُعْطِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: الْمُتَعَفِّفَةُ فَقَدْ صَحَّفَ، انْتَهَى.

وَرَجَّحَ الْخَطَّابِيُّ الثَّانِيَةَ بِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّعَفُّفِ عَنْهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَجْوِيزُ تَرْجِيحِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ. . . إِلَخْ، كَلَامٌ مُجْمَلٌ فِي مَعْنَى الْعِفَّةِ عَنِ السُّؤَالِ، وَقَوْلُهُ: الْيَدُ الْعُلْيَا بَيَانٌ لَهُ، وَهُوَ أَيْضًا مُبْهَمٌ، فَيَنْبَغِي تَفْسِيرُهُ بِالْعِفَّةِ لِيُنَاسِبَ الْمُجْمَلَ، وَتَفْسِيرُهُ بِالْمُنْفِقَةِ لَا يُنَاسِبُ الْمُجْمَلَ، لَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْيَدُ (السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى عُلُوِّ الْمُنْفِقَةِ، وَسَفَالَةِ السَّائِلَةِ، وَرَذَالَتِهَا، وَهِيَ مَا يُسْتَنْكَفُ مِنْهَا، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْفِقَةِ أَرْجَحُ نَقْلًا وَدِرَايَةً، انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالْأُصُولِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، قَالَ: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا» ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: " «الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى» "، وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: " «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ يَدِ الْمُعْطِي، وَيَدُ الْمُعْطِي فَوْقَ يَدِ الْمُعْطَى، وَيَدُ الْمُعْطَى أَسْفَلُ الْأَيْدِي» "، وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارُ عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ: " «الْيَدُ الْمُعْطِيَةُ هِيَ الْعُلْيَا، وَالسَّائِلَةُ هِيَ السُّفْلَى» "، فَهَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>