عَنِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ.
(وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) ، أَيِ اجْتَنِبِ الظُّلْمَ لِئَلَّا يَدْعُوَ عَلَيْكَ مَنْ تَظْلِمُهُ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَجَنُّبِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ عَلَى أَبْلَغِ دَرَجَةٍ، وَأَوْجَزِ إِشَارَةٍ، وَأَفْصَحِ عِبَارَةٍ كَأَنَّهُ إِذَا اتَّقَى دُعَاءَ الْمَظْلُومِ، لَمْ يَظْلِمْ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ: لَا تَظْلِمْ، ( «فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ» ) ، أَيْ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا: " «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا، فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ» "، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، «وَإِنْ كَانَ كَافِرًا» ، كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ أَنَسٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر: ٥٠] (سورة غَافِرٍ: الْآيَةُ ٥٠) فَذَاكَ فِي دُعَائِهِمْ لِلنَّجَاةِ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ، أَمَّا دُعَاؤُهُمْ لِطَلَبِ الِانْتِصَافِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَلَا تُنَافِيهِ الْآيَةُ.
(وَأَدْخِلْ) ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، حُذِفَ مُتَعَلِّقُهُ، أَيْ فِي الرَّعْيِ، (رَبَّ) ، أَيْ صَاحِبَ (الصُّرَيْمَةِ) ، بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ، الْقِطْعَةُ الْقَلِيلَةُ مِنَ الْإِبِلِ نَحْوُ الثَّلَاثِينَ، وَقِيلَ: مِنْ عِشْرِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ.
(وَالْغُنَيْمَةِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ، وَفَتْحِ النُّونِ تَصْغِيرُ غَنَمٍ، قِيلَ: إِنَّهَا أَرْبَعُونَ، وَالْمُرَادُ الْقَلِيلُ مِنْهَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّصْغِيرُ، (وَإِيَّايَ وَنَعَمَ) عُثْمَانَ (بْنِ عَفَّانَ وَ) نَعَمَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (بْنِ عَوْفٍ) ، وَفِيهِ تَحْذِيرُ الْمُتَكَلِّمِ نَفْسَهُ، وَهُوَ شَاذٌّ عِنْدَ النُّحَاةِ كَذَا قِيلَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الشُّذُوذَ فِي لَفْظِهِ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ فِي التَّحْقِيقِ، إِنَّمَا هُوَ تَحْذِيرُ الْمُخَاطَبِ، وَكَأَنَّهُ بِتَحْذِيرِ نَفْسِهِ حَذَّرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَيَكُونُ أَبْلَغَ، وَنَحْوُهُ نَهْيُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ، وَمُرَادُهُ نَهْيُ مَنْ يُخَاطِبُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ، قَالَ: وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ عَلَى طَرِيقِ الْمِثَالِ لِكَثْرَةِ نَعَمِهِمَا، لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُرِدْ مَنْعَهُمَا الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْمَحْ لِرَعْيِ نَعَمِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَنَعَمُ الْمُقِلِّينَ أَوْلَى، فَنَهَى عَنْ إِيثَارِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، أَوْ تَقْدِيمِهِمَا قَبْلَ غَيْرِهِمَا، وَبَيَّنَ حِكْمَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ) - بِكَسْرِ اللَّامِ - (مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ) إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمَا مِنْ (زَرْعٍ وَنَخْلٍ) ، وَغَيْرِهِمَا، (وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَأْتِنِي) مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ (بِبَنِيهِ) بِنُونٍ فَتَحْتِيَّةٍ، جَمْعُ ابْنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِتَحْتِيَّةٍ فَفَوْقِيَّةٍ مُفْرَدُ بُيُوتٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ (فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) مَرَّتَيْنِ، وَحُذِفَ الْمَقُولُ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي لَفْظٍ، أَيْ أَنَا فَقِيرٌ أَنَا أَحَقُّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا) ، اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مَعْنَاهُ: لَا أَتْرُكُهُمْ مُحْتَاجِينَ، وَلَا أُجَوِّزُ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ لِي مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَهُمْ بَدَلَ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، (لَا أَبَا لَكَ) ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْمُوَحَّدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute