الْحُدَيْبِيَةِ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَقِيلَ أَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ، وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَرِوَايَةُ الْإِرْسَالِ لَا تَضُرُّ فِي رِوَايَةِ الْوَصْلِ ; لِأَنَّ الْكُلَّ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ مَعْلُومُ الِاتِّصَالِ عِنْدَ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ وَشُعَيْبٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَمَعْمَرٍ وَعَقِيلٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ خَمْسَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مَوْصُولًا.
وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْرٍ وَلَدُهُ الْآخَرُ نَافِعٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِي: خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ» ) يَعْنِي اخْتَصَّ بِهَا لَمْ يَتَّسِمْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، أَوْ مُعَظَّمَةٍ أَوْ مَشْهُورَةٍ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَحَكَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَسْمَاءَهُ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةٍ، وَيُدْفَعُ بِقَوْلِهِ مَشْهُورَةٍ ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهَا خَمْسَةٌ فَقَطْ، مَا يُقَالُ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجَارِّ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ: لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَلْفُ اسْمٍ، وَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْفُ اسْمٍ بَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَبَعْضُهَا فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ، فَمَجِيءُ الرِّوَايَاتِ بِأَكْثَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حَصْرًا مُطْلَقًا، بَلْ حَصْرَ تَقْيِيدٍ بِمَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَزَفِيُّ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، وَبِالْفَاءِ بِأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ.
وَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ: خُصَّتْ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِمَا سِوَاهَا، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَفْظُ " خَمْسَةُ " لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَهِيَ زِيَادَةُ ثِقَةٍ حَافِظٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا، وَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ هِيَ سِتَّةٌ، فَزَادَ الْخَاتَمَ، فَوَهْمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ تَفْسِيرُ الْعَاقِبِ، كَمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، لَا اسْمًا بِرَأْسِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ، وَيَأْتِي بَسْطُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَسَاكِرَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ يَعْنِي الْمُطْلَقَ، فَتَعَقَّبَ ابْنُ دِحْيَةَ وَالْحَافِظُ احْتِمَالَهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّ تَصْرِيحَهُ فِي الْحَدِيثِ بِهَا بِقَوْلِهِ: لِي، وَنَصُّهُ عَلَى عِدَّتِهَا قَبْلَ ذِكْرِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ لَفْظِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ لِي خَمْسَةٌ أَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يَتَّسِمْ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، أَوْ مُعَظَّمَةٌ، أَوْ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْحَصْرَ فِيهَا، يَعْنِي كَمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَمَا مَرَّ. (أَنَا مُحَمَّدٌ) ، مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ الْحَمْدِ، وَهُوَ مَحْمُودٌ وَفِيهِ الْمُبَالَغَةُ ; لِأَنَّ الْمُحَمَّدَ لُغَةً هُوَ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ كَالْمَدْحِ أَوِ الَّذِي تَكَامَلَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ، قَالَ الْأَعْشَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute