للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَيْكَ - أَبَيْتَ اللَّعْنَ - كَانَ وَجِيفُهَا إِلَى ... الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ:

وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذا مُحَمَّدُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِحَسَّانَ، فَإِمَّا أَنَّهُ تَوَارَدَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ، أَوْ ضَمَّنَهُ شِعْرَهُ، سُمِّيَ بِهِ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - «لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرُؤْيَا رَآهَا أَنَّ سِلْسِلَةَ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، لَهَا طَرَفٌ فِي السَّمَاءِ، وَطَرَفٌ فِي الْأَرْضِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَشْرِقِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَغْرِبِ، ثُمَّ عَادَتْ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ نُورًا أَزْهَرَ مِنْهَا أَعْظَمَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَهِيَ تَزْدَادُ كُلَّ سَاعَةٍ عِظَمًا وَنُورًا وَارْتِفَاعًا، وَرَأَيْتُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ لَهَا سَاجِدِينَ، وَنَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ تَعَلَّقُوا بِهَا، وَقَوْمًا مِنْهُمْ يُرِيدُونَ قَطْعَهَا، فَإِذَا دَنَوْا مِنْهَا أَخَذَهُمْ شَابٌّ لَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهًا، وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا، فَيَكْسِرُ أَظْهُرَهُمْ، وَيَقْلَعُ أَعْيُنَهُمْ، فَرَفَعْتُ يَدَيَّ لِأَتَنَاوَلَ مِنْهَا، فَلَمْ أَنَلْ، وَقِيلَ لِي: النَّصِيبُ لِلَّذِينَ تَعَلَّقُوا بِهَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى كَاهِنَةِ قُرَيْشٍ، فَعَبَّرَتْ بِمَوْلُودٍ مِنْ صُلْبِهِ يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ «مَعَ مَا حَدَّثَتْهُ بِهِ أُمُّهُ آمِنَةُ حِينَ قِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِذَا وَضَعَتَيْهِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا» .

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَارِثِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ سَمَّيْتَهُ مُحَمَّدًا، وَلَمْ تُسَمِّهِ بِاسْمِ آبَائِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَيَحْمَدَهُ النَّاسُ فِي الْأَرْضِ» "، (وَأَنَا أَحْمَدُ) عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ الْمُنْبِئَةِ عَنِ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَةٍ لَيْسَ وَرَاءَهَا مُنْتَهًى، وَمَعْنَاهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ بِمَحَامِدَ لَمْ يُفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ حَامِدُونَ، وَهُوَ أَحْمَدُهُمْ، أَيْ أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا، وَأَعْظَمُهُمْ فِي صِفَةِ الْحَمْدِ، فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَقِيلَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ أَنْ يُحْمَدَ، فَيَكُونُ كَمُحَمَّدٍ فِي الْمَعْنَى، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الْكَثِيرُ الْخِصَالِ الَّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَأَحْمَدُ هُوَ الَّذِي يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ، فَمُحَمَّدٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالْكَمِّيَّةِ، وَأَحْمَدُ فِي الصِّفَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، فَيَسْتَحِقُّ مِنَ الْحَمْدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ، أَيْ أَفْضَلَ حَمْدٍ حَمِدَهُ الْبَشَرُ، فَالِاسْمَانِ وَاقِعَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ.

قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْمَدَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا، كَمَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ ; لِأَنَّ تَسْمِيَةَ أَحْمَدَ وَقَعَتْ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ، وَتَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَمِدَ رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ يَحْمَدُ رَبَّهُ فَيُشَفِّعُهُ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ، وَقَدْ خُصَّ بِصُورَةِ الْحَمْدِ وَبِلِوَاءِ الْحَمْدِ، وَبِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَشُرِعَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>