للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَمْدُ بَعْدَ الْأَكْلِ، وَبَعْدَ الشُّرْبِ، وَبَعْدَ الدُّعَاءِ، وَبَعْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ، وَسُمِّيَتْ أُمَّتُهُ الْحَامِدِينَ فَجُمِعَتْ لَهُ مَعَانِي الْحَمْدِ وَأَنْوَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.

وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ السُّهَيْلِيِّ: لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمَدَ ; لِأَنَّهُ حَمِدَ رَبَّهُ فَنَبَّأَهُ وَشَرَّفَهُ فَلِذَا يُقَدَّمُ أَحْمَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَّلَاهُمَا صَرِيحٌ فِي سَبْقِيَّةِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَزَعَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ سَبْقِيَّةَ مُحَمَّدٍ، وَنَسَبَ الْقَائِلَ بِسَبْقِيَّةِ أَحْمَدَ إِلَى الْغَلَطِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ فِي التَّوْرَاةِ تَسْمِيَتُهُ ماذمان، وَصَرَّحَ بَعْضُ شُرَّاحِهَا مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عِيسَى أَحْمَدَ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهِ وَقَعَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِمُحَمَّدٍ فِي التَّوْرَاةِ، وَمُتَقَدِّمَةً عَلَى تَسْمِيَتِهِ فِي الْقُرْآنِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ التَّسْمِيَتَيْنِ مَحْفُوفَةً بِهِمَا، وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ: «إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَمَّاهُ مُحَمَّدًا قَبْلَ الْخَلْقِ بِأَلْفِ عَامٍ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ» .

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: " «أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ» "، الْحَدِيثَ.

( «وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ» ) ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ، وَمَعْنٍ وَغَيْرِهِمَا بِيَ (الْكُفْرَ) يُزِيلُهُ ; لِأَنَّهُ بُعِثَ وَالدُّنْيَا مُظْلِمَةٌ بِغَيَاهِبِ الْكُفْرِ، فَأَتَى بِالنُّورِ السَّاطِعِ حَتَّى مَحَاهُ، قَالَ عِيَاضٌ: أَيْ مِنْ مَكَّةَ، وَبِلَادِ الْعَرَبِ، وَمَا زُوِيَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَوُعِدَ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ مُلْكُ أُمَّتِهِ، قَالَ: أَوْ يَكُونُ الْمَحْوُ عَامًّا بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَالْغَلَبَةِ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.

وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: اسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ مَا يُمْحَى مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَغْلَبِ، أَوْ عَلَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، أَوْ أَنَّهُ يُمْحَى بِسَبَبِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ فِي زَمَنِ عِيسَى، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَيُجَابُ بِجَوَازِ أَنْ يَرْتَدَّ بَعْضُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى، وَتُرْسَلُ الرِّيَاحُ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَارُ.

وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: " وَأَنَا الْمَاحِي "، فَإِنَّ اللَّهَ يَمْحِي بِهِ سَيِّئَاتِ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، انْتَهَى، أَيْ بِمَغْفِرَتِهَا لَهُ بِلَا سَبَبٍ، أَوْ بِإِلْهَامِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ لِمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ، وَقَبُولِهَا: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: ٢٥] (سورة الشُّورَى: الْآيَةُ ٢٥) ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا تَفْسِيرَهُ بِمَحْوِ الْكُفْرِ ; لِأَنَّ مَحْوَ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ مَحْوَ الْآخَرِ، فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْمَاحِي بِخِلَافِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ الشَّارِعُ ; لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ، وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الْكُفْرَ لِظُهُورِ مَحْوِهِ بِرِسَالَتِهِ.

(وَأَنَا الْحَاشِرُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْحَشْرِ، وَهُوَ الْجَمْعُ ( «الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي» ) ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَخِفَّةِ الْيَاءِ بِالْإِفْرَادِ، وَبِشَدِّ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ مُثَنًّى رِوَايَتَانِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَيْ قُدَّامِي، وَأَمَامِي أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَيَنْضَمُّونَ حَوْلَهُ، وَيَكُونُونَ أَمَامَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَرَاءَهُ.

قَالَ الْخَلِيلُ: حَشَرْتُ النَّاسَ إِذَا ضَمَمْتَهُمْ مِنَ الْبَوَادِي.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ: اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى عَلَى قَدَمِي، فَقِيلَ: عَلَى زَمَانِي وَعَهْدِي، أَيْ لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ، وَقِيلَ: لِمُشَاهَدَتِي كَمَا قَالَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>