(سورة الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٤٣) ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ عَلَى أَثَرِي، أَيْ أَنَّهُ يَقْدُمُهُمْ، وَهُمْ خَلْفَهُ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ فَيَتْبَعُونَهُ، قَالَ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَةُ: عَلَى عَقِبِي، وَقِيلَ: عَلَى أَثَرِي، بِمَعْنَى أَنَّ السَّاعَةَ عَلَى أَثَرِهِ أَيْ قَرِيبَةً مِنْ مَبْعَثِهِ كَمَا قَالَ: " «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» "، وَفِي فَتْحِ الْبَارِي: أَيْ عَلَى أَثَرِي، أَيْ أَنَّهُ يُحْشَرُ قَبْلَ النَّاسِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي» "، بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُخَفَّفًا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِالتَّشْدِيدِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى التَّثْنِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدَمِ: الزَّمَانُ، أَيْ وَقْتَ قِيَامِي عَلَى قَدَمِي بِظُهُورِ عَلَامَاتِ الْحَشْرِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَلَا شَرِيعَةٌ، وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّفْسِيرُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحْشُورٌ، فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهِ حَاشِرٌ اسْمُ فَاعِلٍ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الْفَاعِلِ إِضَافَةٌ، وَالْإِضَافَةُ تَصِحُّ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، فَلَمَّا كَانَ لَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِهِ ; لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، نُسِبَ الْحَشْرُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَقَعُ عَقِبَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُحْشَرُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» " وَقِيلَ مَعْنَى الْقَدَمِ: السَّبَبُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ: عَلَى مُشَاهَدَتِي قَائِمًا لِلَّهِ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَمِ.
وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: " «وَأَنَا حَاشِرٌ بُعِثْتُ مَعَ السَّاعَةِ» "، وَهُوَ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ.
(وَأَنَا الْعَاقِبُ) ، أَيْ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُلُّ شَيْءٍ خَلَفَ بَعْدَ شَيْءٍ فَهُوَ عَاقِبٌ، وَلِذَا قِيلَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ بَعْدَهُ: هُوَ عَقِبُهُ، وَكَذَا آخِرُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: أَيْ مَعْنَى الْعَاقِبِ خَتَمَ اللَّهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، وَخَتَمَ بِمَسْجِدِهِ هَذَا الْمَسَاجِدَ، يَعْنِي مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ زَادَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ سَمَّاهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى آخِرِ مَا فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ ".
وَأَمَّا قَوْلُهُ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ، فَظَاهِرُهُ الْإِدْرَاجُ أَيْضًا، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ: «الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ» .
وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّهُ عَقِبَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلرَّفْعِ وَالْوَقْفِ، انْتَهَى.
وَجَزَمَ السُّيُوطِيُّ بِأَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ لِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا الْعَاقِبُ، قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: «مَا الْعَاقِبُ؟ قَالَ: الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ» .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ سُفْيَانُ: الْعَاقِبُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، انْتَهَى.
وَلَا يُنَافِيهِ رِوَايَةُ: بَعْدِي بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، لِأَنَّهَا قَدْ تَرِدُ عَلَى لِسَانِ الرَّاوِي حِكَايَةً عَنْ لِسَانِ مَنْ فَسَّرَ كَلَامَهُ إِذَا قَوِيَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ نَطَقَ بِهِ.
وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ، وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَابْنِ سَعْدٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَتُحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا؟ قَالَ نَعَمْ هِيَ سِتَّةٌ: مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَخَاتَمٌ وَحَاشِرٌ وَعَاقِبٌ وَمَاحٍ.
قَالَ الْحَافِظُ: