للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَرْجَحُ لِمُوَافَقَةِ ابْنِ عُمَرَ لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلِمُوَافَقَةِ ذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّوْحِيدَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ وَفِيمَا رَجَّحَهُ نَظَرٌ، فَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ وَقَعَ وَهُوَ جَالِسٌ عَقِبَ الرَّكْعَتَيْنِ فَأَيْنَ ابْتِدَاءُ الثَّالِثَةِ، وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ هُوَ فِي إِرَادَةِ ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَسَلَّمَ سَهْوًا قَبْلَ الْقِيَامِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ دَعْوَى التَّعَدُّدِ لِلُزُومِ وُقُوعِ الِاسْتِفْهَامِ فِي الْمَرَّتَيْنِ مِنْ ذِي الْيَدَيْنِ وَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِيهِ، وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامُ دَعْوَى ذِي الْيَدَيْنِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعِ اسْتِفْهَامَهُ، ثَانِيًا لِأَنَّهُ زَمَانُ نَسْخٍ لَا سِيَّمَا وَقَدِ اقْتَصَرَ عِمْرَانُ عَلَى قَوْلِهِ: «أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَكَذَلِكَ اسْتِفْهَامُ الْمُصْطَفَى الصَّحَابَةَ عَنْ صِحَّةِ قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تُقْصَرْ، وَقَدْ سَلَّمَ مُعْتَقِدًا الْكَمَالَ، وَالْإِمَامُ لَا يَرْجِعُ عَنْ يَقِينِهِ لِقَوْلِ الْمَأْمُومِينَ إِلَّا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا، بَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا لِكَثْرَتِهِمْ جِدًّا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ إِخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُحْوَجِ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بِلَا قَرِينَةٍ، وَكَوْنُهَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَنْهَضُ لِاخْتِلَافِ الْمُخَرِّجِ أَيِ الصَّحَابِيِّ، ثُمَّ مَاذَا يَصْنَعُ بِقَوْلِ عِمْرَانَ فِي حَدِيثِهِ «فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ» وَكِلَاهُمَا فِي مُسْلِمٍ، وَتَصْحِيحُهُ بِجِنْسِ الرَّكْعَةِ يَنْبُو عَنْهُ الْمُقَامُ نُبُوًّا ظَاهِرًا، فَدَعْوَى التَّعَدُّدِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، وَمُوَافَقَةُ ابْنِ عُمَرَ وَذِي الْيَدَيْنِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى سِيَاقِهِ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بِالتَّعَدُّدِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ قَالَ: " ثُمَّ سَلَّمَ " دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَرَى اتِّحَادَ الْحَدِيثَيْنِ، إِذْ غَايَةُ مَا أَفَادَهُ أَنَّ عِمْرَانَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ فَفِيهِ إِثْبَاتُ السَّلَامِ عَقِبَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ الْخَالِي مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلْ هُوَ مُتَّحِدٌ مَعَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ مَسْكُوتٍ عَنْهُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَبَعِيدٌ جِدًّا أَوْ مَمْنُوعٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ عِمْرَانَ أَخْبَرَ بِالظَّنِّ وَهُوَ قَدْ شَاهَدَ الْقِصَّةَ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: «إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَقَامَ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ» ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ.

أَفَلَا يَعْلَمُ الْحُجَرَةَ مِنَ الْخَشَبَةِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ وَيُؤَوِّلُ بِذَلِكَ التَّأْوِيلِ الْمُتَعَسِّفِ فِرَارًا مِنْ دَعْوَى التَّعَدُّدِ مَعَ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا بِلَا رَيْبٍ.

( «أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>