حَدِيثِ الْبَابِ إِلَّا قَوْلَهَ " جَاءَ " فَعِنْدَهُ " رَاحَ " وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ، فَفِي رِوَايَةِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْكَجِّيِّ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ الْحَدِيثَ وَمِنْهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَتْنِ، فَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحَاحِهِمْ بِلَفْظِ: " «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ» " وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ وَهِمَ فِيهِ.
وَمِنْهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ» " قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ نَافِعٍ بِزِيَادَةِ حَفْصَةَ إِلَّا بُكَيْرٌ وَلَا عَنْهُ إِلَّا عَيَّاشٌ تَفَرَّدَ بِهِ مُفَضَّلٌ، قُلْتُ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ حَدِيثٌ آخَرَ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَسْمَعَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اخْتِلَافِ الْمُتُونِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْغُسْلِ بِالْمَجِيءِ لِلْجُمُعَةِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ الظَّاهِرِيُّ إِبْعَادًا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِبُطْلَانِهِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَقَدُّمَ الْغُسْلِ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَتَّى لَوِ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَفَى عِنْدَهُ تَعَلُّقًا بِإِضَافَةِ الْغُسْلِ إِلَى الْيَوْمِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْغُسْلَ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى بَعْدَ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ اهـ.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ، عَلَى أَنَّ مَنِ اغْتَسَلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْجُمُعَةِ وَلَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ بِمَا هُوَ بِصَدَدِ الْمَنْعِ وَالرَّدِّ، وَيُفْضِي إِلَى التَّطْوِيلِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَمْ يُورِدْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ التَّصْرِيحَ بِإِجْزَاءِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ بِالذَّهَابِ فَأَخَذَهُ هُوَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ كَالشَّمْسِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ فَتْحِ الْبَارِي، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ (قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يَجْزِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ لَا يَكْفِي (عَنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ) فَعَلَّقَ الْغُسْلَ بِالْمَجِيءِ لِلْجُمُعَةِ، فَيُفِيدُ أَنَّ شَرْطَهُ اتِّصَالُهُ بِالذَّهَابِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَيْءٍ إِنَّمَا يُوجَدُ إِذَا وُجِدَ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ جَلِيٌّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute