لَا يَحْجِزُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إِلَّا الْجَنَابَةُ» " وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَأَجَازُوا قِرَاءَتَهُ لِلْجُنُبِ وَهُمْ مَحْجُوبُونَ بِالسُّنَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْ كَرِهَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ نَوْمَهُ نَاقِضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " «إِنْ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» " وَأَمَّا وُضُوءُهُ عَقِبَهُ فَلَعَلَّهُ تَجْدِيدٌ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَوَضَّأَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ تَعَقُّبٌ جَيِّدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ النَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ أَحْدَثَ فِي النَّوْمِ، لَكِنْ لَمَّا عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوُضُوءِ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ أَحْدَثَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ نَوْمِهِ لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ حَدَثٌ وَهُوَ نَائِمٌ، نَعَمْ خُصُوصِيَّتُهُ أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ شَعَرَ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَا ادَّعُوهُ مِنَ التَّجْدِيدِ وَغَيْرِهِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَدْ سَبَقَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى مَعْنَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنَيِّرِ.
(ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ النُّونِ قِرْبَةٌ خَلِقَةٌ مِنْ أَدَمٍ، وَذَكَرَ الْوَصْفَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ أَوِ الْأَدَمِ أَوِ الْجِلْدِ أَوِ السِّقَاءِ أَوِ الْوِعَاءِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُعَلَّقَةٍ بِتَأْنِيثِ الْوَصْفِ لِإِرَادَةِ الْقِرْبَةِ (فَتَوَضَّأَ مِنْهُ) أَيِ الشَّنِّ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهَا أَيِ الْقِرْبَةِ، وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ كُرَيْبٍ: " «ثُمَّ اسْتَفْرَغَ مِنَ الشَّنِّ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ» " وَفِيهِ جَوَازُ الِاغْتِرَافِ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لِأَنَّ الْإِنَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ قَصْعَةً أَوْ صَحْفَةً.
( «فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ» ) أَيْ أَتَمَّهُ بِأَنْ أَتَى بِمَنْدُوبَاتِهِ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ: «فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ» .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ: «فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا» .
وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِرِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ» .
وَلِمُسْلِمٍ: «فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَمَسَّ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا قَلِيلًا وَزَادَ فِيهَا: فَتَسَوَّكَ» .
(ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) وَلِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ: " «ثُمَّ أَخَذَ بَرْدًا لَهُ حَضْرَمِيًّا فَتَوَشَّحَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَقَامَ يُصَلِّي» " (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ» ) يَقْتَضِي أَنَّهُ صَنَعَ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْقَوْلِ وَالنَّظَرِ وَالْوُضُوءِ وَالسِّوَاكِ وَالتَّوَشُّحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَغْلَبِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمِثْلِيَّةِ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَزَادَ سَلَمَةُ عَنْ كُرَيْبٍ فِي الدَّعَوَاتِ مِنَ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: " «فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَرْقُبُهُ» " وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ عَمَلِهِ لِمَا جَرَى مِنْ عَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْعَمَلِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ ( «ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ» ) أَيِ الْأَيْسَرِ وَظَاهِرُهُ الْمُسَاوَاةُ ( «فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي» ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يَعْنِي أَنَّهُ أَدَارَهُ فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مَالِكٌ وَفِي مُسْلِمٍ: " «فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ خَلْفِهِ حَتَّى جَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ» "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute