يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرَغَ مِنَ الْعَشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» " وَاحْتُجَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَهُوَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي الْأَرْبَعِ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَيَّدَ الْجَوَابَ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَبِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمُ الْمَنْطُوقِ بِهِ، فَفِي السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» " لَكِنْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا زِيَادَةَ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرُوهَا، وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَأَدَعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ، وَإِذَا كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ، رَوَاهُ عَنْهُ مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي سُؤَالَاتِهِ، لَكِنْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» " مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ زِيَادَتُهُ صَحِيحَةً عَلَى رَأْيِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونُ شَاذًّا.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَقْلِ ابْنِ مَعِينٍ.
(فَإِذَا خَشِيَ أَحَدَكُمُ الصُّبْحَ) أَيْ فَوَاتَ صَلَاتِهِ (صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً) وَلِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ وَمَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ مَالِكٍ: «فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً» ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ هَكَذَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: " «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً» " وَفِيهِ أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ وَأَنَّ فَصْلَهُ أَوْلَى مِنْ وَصْلِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٌ مُضَافَةٌ إِلَى رَكْعَتَيْنِ مِمَّا مَضَى وَبُعْدُهُ لَا يَخْفَى ( «تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» ) مِنَ النَّفْلِ فَفِيهِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الْوِتْرُ وَأَنَّ كُلَّ مَا تَقَدَّمَهَا شَفْعٌ، وَسَبْقُ الشَّفْعِ شَرْطٌ فِي الْكَمَالِ لَا فِي صِحَّةِ الْوِتْرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بِوَاحِدَةٍ دُونَ تَقَدُّمِ نَفْلٍ قَبْلَهَا.
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَيْلَةً فِي رَكْعَةٍ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَهَا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: أَنَّ سَعْدًا أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: إِنَّهُ فَقِيهٌ، وَفِي كُلِّ هَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ التِّينِ: لَمْ يَأْخُذِ الْفُقَهَاءُ بِعَمَلِ مُعَاوِيَةَ، وَاعْتِذَارُ الْحَافِظِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَعَلَّهُ أَرَادَ فُقَهَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ بِرَكْعَةٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ تَعَيُّنِ الْوَصْلِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ مَوْصُولَةٌ حَسَنٌ جَائِزٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ، فَأَخَذْنَا بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكْنَا مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute